كذلك انفرجت صفوف الناس لعمة الناس لعمة رسول الله فسارت حتى أتت أخاها فنظرت إليه فصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت له، وقالت لابنها قل لرسول الله ما أرضانا بما كان في سبيل الله لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله.
فانظر إلى موقف البطل العربي حيال أمه قد أمره رسول الله أن يقف دونها فيعترضها! ولو سامه النبي أن يعترض الجيش اللهام لوقف في سبيله غير هائب ولا مدفوع.
وماله لا يعنو وجهه ولا ترتجف أضالعه لعظمة الأمومة وعظمة الخُلق! وهل رأت الأمم قديمها وحديثها من سمو المرأة وجلال خلالها ما رأته من مثل صفية! امرأة يمثل بأخيها كذلك التمثيل ثم تقف عن جثمانه فلا تجاوز الصلاة له والاسترجاع عليه لأن جسده إنما مزق في سبيل واجبه وحياطة دينه! إن هذا لهو الخلق العظيم.
ولقد كان الرجل وما يجاوز أمه ولا يستشعر الغناء عن مشورتها ونهج سبيلها مهما تطاول به العمر وأمعنت برأيه التجارب وحديث عبد الله بن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر آية بالغة ودليل كفيل بما نقول.
ذلك أن عبد الله لبث على إمرة المؤمنين، ودانت له العراق والحجاز واليمن ثماني
سنين ثم أخذ عبد الملك بن مروان بقارعه فانتفض منه العراق ورماه بعد ذلك بالحجاج ابن يوسف فأخذ يطوي بلاده عنه حتى انتهى إلى مكة فطوقها ونصب المجانيق على الكعبة وأهوى بالحجارة عليها وفي الكعبة يومئذ أسماء بنت أبي بكر. وكان عبد الله يقاتل جند الحجاج مسنداً ظهره إلى الكعبة فيعيث فيهم ويروع أبطالهم وليس حوله إلا القوم الأقلون عدداً والحجاج بين ذلك كله يرسل إليه