حديثاً شيقاً ممتعاً. في تلك اللحظات الفانية، وبين ذلك الجمع المحتشد، راع الناس صياح وإعوال، وتهدّج واضطراب، ومشادّة ومدافعة، ثم أبصروا فإذا بفتاة في السابعة من سنيها، يقودها إلى موقف القطار شرطي عات شديد، وساع من سعاة معتمدي الدول قوي عتيد، ومن خلفها شيخ أوربي جاوز الستين مكتئب مهزول، وهي تدافع الرجلين حولها بيدين لا حول لهما.
أقبل القطار ثم وقف فكاد كل ينسى بذلك الموقف موقفه وما قصد له، ثم أُصعدت
الفتاة وصعد معها من حولها، وعجلت أنا وصاحبي فأخذنا مقاعدنا حيث أخذوا مقاعدهم. كل ذلك والفتاة على حال من الحزن والكرب لا يَجُملُ معها الصبر، ولا يُحمد دونها الصمت. سألت الشيخ ما خطبه، وما أمر الفتاة فقال وقد أشرقه الدمع، وقطع صوته الأسى:
إنني رجل أسباني، وتلك ابنتي، عرض لها منذ حين ما لم أعلمه، فصحوت ذات صباح على صوتها تصلي صلاة المرأة المسلمة، ومنذ ذلك اليوم احتجزت ثيابها لتتولى أمر غسلها، وأرسلت خمارها الأبيض على صفحتي وجهها، ومكشوف صدرها. ثم أخذت تُنفِذ وقتها في صلاة وصيام، وسجود وهجود. وكانت تدعى روز فأبت إلا أن تسمى فاطمة وما لبثت أن تبعتها أختها الصغرى، فصارت أشبه بها من القطرة بالقطرة، والزهرة بالزهرة.
فزعت لهول ذلك الأمر، وقصدت أحد أساقفتنا، فأخذ يعاني رياضتها فلم يجد إلا شِمَاساً وامتناعاً. وعَزَّت على الرجل خيبته فكتب إلى معتمد الدولة الأسبانية بأمر الأسرة الخارجة على دينها. وهنالك آمر المعتمد حكومة مصر فساقت إليه الفتاة كما ترى برغمها ورغم ذويها ليقذف بها بين جوانب دير تسترد فيه دينها القديم.
قلت: أو أرضاك أن تساق ابنتك سوق الآثمات المجرمات على غير إثم