لم أعلم بعد ذلك شيئاً من أمر فاطمة لأني لم أستطع أن أعلم. . .
رحمة الله وبركاته عليك يا فاطمة، فما أنت أولى شهيدات الرأي الحرّ والإيمان الوثيق.
ذلك ما رأيته، ولا والله ما غيرت منه شيئاً إلا أ، يكون اللفظ بمرادفه فإن يكن الوقوف دون الحقيقة تغييراً ما لي العذر فيه.
مِثل ذلك التصديق العميق من شأن المرأة وطبيعتها، وسبيله ما أسلفنا من خلالها وسجاياها. وإذا كان جمهور النساء يقدسن أجداث الموتى، ويؤمنّ بنوافر العادات
فلا يتحولن عن ذلك الإيمان المقدس مهما خانتهن التجارب وأخلفت منهن الظنون، فكيف بهن لو وجهت وجوههنّ إلى الله العزيز القهار، وعلمن حق العلم أنه وحده بارئ النسم، ومبيد الأمم، وأنه وحده العليم بخفيات السرائر ونزعات الضمائر؟
لذلك كان دين المرأة - إذا طبعت عليه - أكثر وضحا، وأوضح سنا، وأرسخ أصولا، وأبعد عن عثرات الحيرة ونزعات الشيطان من دين الرجل. ولذلك كانت - إذا أخذت به، ونشأت على حبه - أسد الناس عصمة في السر والعلانية، وأطهرهم صحيفة في المشهد والمغيب. وأبعدهم عن اقتراف المآثم، واجتراح المحارم، إذا سكنت ألسنة الزواجر، وهدأت عيون الرقباء.
إن ضلالا أن تعمل الصَّبَّية فتعصبها بالشدة، وتُقَنّعَها بالهوان. فإنك إن فعلت هونت نفسها، وثلمت حسها، فلا تشعر بعدئذ بأوزار العار، ولا تبتئس بانثلام الشرف. ولخير للعالم يومئذ أن تطوى صفحاتها، وتودي بحياتها من أن تقذفه بها داء دويا، وجرثومة وبيئة.