للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما نظر الإسلام في تلك الإباحة إلى أحد أمرين:

الأول - الاحتفاظ بكيان الأمة. لأن الرجال مدفوعون في كثير من المواطن إلى اغتمار القتال، واقتحام الأخطار، مما عساه ينضب عندهم، ويذهب بالكثير منهم فإن لم يبح لرجال أن يتجاوزوا الواحدة قصر كثير من النساء عن منازل الأمومة: فتضؤل الأمة، وتلين قناتها، ويقل عددها، وربما أسرع الفساد إليها.

واليوم وقد تخطى الإسلام نيفاً وثلاثة عشر قرنا، يقوم جمع من فلاسفة الفرنج ومتشرعيهم، فيقولون بتعدد الزوجات استكثار للنسل، حتى يسدّوا بذلك ما أصاب أممهم من الفراغ العظيم، بفقد بضعة عشر ألف ألف في حروبهم العظمى.

الثاني - هنالك أناس لا تمكنهم طبائعهم، ولا تكوين جسومهم، من البقاء على

واحدة. فأولئك روعي أمرهم حتى لا يفزعوا إلى ما هو أدهى وأمر من تعدد الزوجات.

على أن الإسلام - رغم ذلك كله - أحاط تلك الإباحة بما رأيت من القيود حتى لا يصاب تكوين الأسر بما لا يجبر صدعه، ولا يدرك فائته.

وعلى ذكر الفرنج وآرائهم نسوق إليك الكتاب الفيلسوف المؤرخ العظيم جوستاف لوبون، في تعدد الزوجات، وهو ما أودعه كتابه الكريم: حضارة العرب قال:

ليس بالهين اليسير أن تدرك أسلوباً من الحياة لأمة من الأمم حتى تفترض كونك في هذه الأمة، يحيط بك ما يحيط بها. ويحتكم بذات نفسك ما يحتكم بذوات نفوسها. فأما أن تحكم - وأنت متأثر بطبائع قومك وعاداتهم، وما يحيط بهم من وسط وجوّ وبيئة - على نظام قوم لا يشاكلونك في شيء مما أنت فيه، فذلك ليس من الرأي في شيء.

ذلك ما يراد بالناقد أن يأخذ به وينهجه إذا شاء أن يتولى بنقده كنظام

<<  <  ج: ص:  >  >>