حتى إذا كانت في عهد عمر تزوجها المهاجر بن أبي أُمية فأفزع عمر أن إحدى أمهات المؤمنين تتزوج بعد رسول الله. فأرسلت إليه: والله ما ضُرب عليّ الحجاب ولا سميت أم المؤمنين.
ذلك إلى مساق الآيتين الكريمتين لنساء النبي، وأنهن لسن كأحد من النساء. على أن ذلك التشريع الخاص بنساء النبي يحبب ذوات الشرف والسناء من النساء، إن لم يكن في القرار الدائم، ففي إيثار القرار، تشبها بأكرم نساء المسلمين على الله ورسوله، ولولا أن هناك مؤثراً آخر، وازنه فعارضه.
ذلك ما دعته وثبة الإسلام، وجد حياته، إلى خروج المرأة عن دارها طلباً للدين ودراسة للعلم، واشتراكا في مناسك الحج، وإسعاداً في معاناة الجهاد، وصدعا بما وقر في نفسها من حق أضيع، وحرمة أبيحت، وإنها لتعلم أن لها في ابتناء عظمة الإسلام شأنا لا يستهان بخطره، ولا أثره.
هذان هما المؤثران اللذان تأثر بهما حجاب المرأة العربية في الإسلام، وهما تعارضهما لا يتكافآن قوة ورجحانا. لأن للثاني أثرا واقعاً، ووضحاً في الدين ظاهرا، ومثوبة من عند الله مكفولة، فلم يكن بدّ من غلبته.
بل إن عائشة رضي الله عنها - وهي إحدى أمهات المؤمنين، وأجمعهن للمأثور من حديث رسول الله - لما رأت تدافع الواجبين - وهي إحدى اللواتي نزل فيهن صريح الأمر بالحجاب - آثرت الثاني فخرجت تخطب في المسلمين وتستنفرهم - بل وتقودهم - إلى قتال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، لأنها رأت في قومتها - إن صواباً وإن خطأ - قياماً بالواجب وثأراً للخليفة المظلوم. وليس بفائتنا أن نذكر لك شيئاً من إجابتها على لوامها.