حديثه. فقالت: أبشر يا أبن عم وأثبت، فوالذي نفس خديجة في يده، إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة.
ثم قالت له: أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال: نعم، قالت: فإذا جاءك فأخبرني به. فجاءه جبريل مترائياً بين أقطار الغرفة، فقال رسول الله لخديجة: هذا جبريل قد جاءني. قالت: قم يا ابن فاجلس على فخذي اليسرى فقام رسول الله فجلس. قالت: هل تراه؟ قال: نعم. قالت: قم فاجلس على اليمين، فقام، فتحول عليها فقالت: هل تراه؟ قال: نعم. ثم تحسرت وألقت خمارها: وقالت له: هل تراه؟ قال: لا. قالت: أثبت وأبشر؛ فوالله إنه لَمَلك وما هو بشيطان.
بعد ذلك قامت، فجمعت عليها ثيابها، وانطلقت إلى ابن عمها ورَقَة بن نوفل - وكان رجلا عليما نافذ العلم في التوراة والإنجيل ودقائقهما وأخبار النبوّة الأولى -
فأخبرته خبر رسول الله. فقال ورقة؛ قدُّس قدُّوس! والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت. فرجعت خديجة بقول ورقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت آية البشر والبُشْرى له.
على ذلك النسق البعيد الفريد، سارت خديجة أم المؤمنين في تثبيت قلب النبي، وترويح نفسه وتأييد أمره. فلم ير شيئاً يحزنه، من ردٍّ عليه، وتكذيب له، وسخرية به، ونفور منه، إلا فرجت صدره، وأذهبت حزنه، وأثلجت قلبه وهونت الأمر عليه.
تلك هي خديجة التي بعث الله إليها تحيته، فنزل بها جبريل على رسول الله فقال له: أقرئ خديجة السلام من ربها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: