تلك صفحة من صفحات تاريخنا الذي نعتز به، ونطرب له، ونستثني من الرجاء منه ولعلها أحفل الصفحات بالعظات، وأجمعها للعظائم، وآهلهَا بنُبل الُخلق، وسناء الحياة. تلك هي المرأة العربية في جاهليتها وإسلامها، حياة العظمة الوادعة الرائعة؛ النفس الأبية النقية.
تلك هي المرأة التي يحدث المؤرخ المُنقَرّ الإنجليزي العظيم (كلاي مما استَشفه من أطلال بابل إنها كانت منذ أربعة وأربعين قرناً تجاذب الرجل سياسة الأمة، وولايتها الأمر، إنها كانت منذ أربعة وأربعين تجاذب سياسة الأمة، وولايتها الأمر، وجدّ العمل، وشُئون الحياة.
تلك هي للمرأة التي وثب بها الإسلام ووثبت هي به، وكان أثرها في تكوين
رجاله، وتصريف حوادثه، أشبه ما يكون بأثر الهادئ الفياض في زهر الرياض.
يريد نساؤنا أن ينهضنَ، فهن يبتغين الوسائل ويتلمسن الخطى. وما لهن لا ينهضن؟ ومنذا يذودهن عما شرع الله لهن؟ وهل هن إلا منابت حُماتنا، وأساة جراحنا، وبُناة دولتنا ومنار دعوتنا، ومثار قوتنا؟ وهل نحن وإياهن إلا كجناح النّسر الصاعد إذا ينهض أحدهما خفُض الآخر فيصبح لا يجد في الأرض مَقَعداً ولا في السماء مصعداً؟
لينهض النساء ما شئن أن ينهضن، ففي نهوضهن، وبلغ غايتنا، ولكن ليحذر الآخرون بيدها والداعون إلى نهوضها التواء القصد، والتباس الطريق فينالها الزلل وتَلِجُّ بها العثرات حتى يقول قوم لقد كان ما كانت فيه خيراً وأبقى.