من حقنا، ولا يزال يقدم علينا من يبوء بعزك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس البقر، ويسومنا الخسيسة. ويسلبنا الجليلة، هذا بُسر بن أرْطأة قدم علينا من قبلك، فقتل رجالي، وأخذ مالي، يقول لي: فوهي بما استعصم الله منه وألجأ إليه فيه ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعه. فإما عزلته عنا فشكرناك، وإما لا فعرّفنك. فقال معاوية: أتهدديني بقومك؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه. فأطرقت تبكي، ثم أنشأت تقول:
صلى الإله على جسم تضمنه ... قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا ... فصار بالحق والإيمان مقرونا
فقال لها ومن ذلك؟ قالت علي بن أبي طالب عليه السلام. قال وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟ قالت قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا، قدم علينا من قبله، فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين، فأتيت عليا عليه السلام لأشكو إليه ما صنع بنا، فوجدته قائماً يصلي، فلما نظر إلىّ انفتل من صلاته ثم قال لي برأفة وتعطف. ألك حاجة فأخبرته الخبر. فبكى ثم قال: اللهم إنك أنت الشاهد علي وعليهم، إني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك. ثم أخرج من جيبه قطعة كهيئة طرف الجواب فكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم. قد جاءتكم بيَّنة من ربكم فأوْفُوا الكيلَ والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تَعْثَوا في الأرض مُفسدين. بقيةُ الله خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين. وما أنا عليكم بحفيظ. إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام. فأخذته
منه، والله ما خَتمه بطين. ولا خَزَمه بخزام، فقرأُتُه.