لمقترف ذنباً، قال سهل: فلما رأته بمنعها، ولاذ عن طلبها، أخرجت حقا من زمردة خضراء فوضعته بين يديها. قال الرشيد: ما هذا؟ ففتحت عنه قفلا من ذهب فأخرجت منه ذوائبه وثناياه قد غمست جميع ذلك في المسك. فقالت: يا أمير المؤمنين أستشفع إليك، وأستعين بالله عليك، وبما صار معي من كريم جسدك، وطيب جوارحك، ليحي عبدك. فأخذ هارون
ذلك فلثمه ثم استعبر وبكى بكاءً شديدا، وبكى أهل المجلس، ومر البشير إلى يحيى وهو لا يظنّ إلا أن البكاء رحمة له، ورجوع عنه. فلما أفاق رمى جميع ذلك في الحق وقال لها: لَحَسن ما حفظت الوديعة، قالت: وأهل للمكافأة أنت. فسكت وأقفل الحق ودفعه إليها. وقال:(إن الله يَأْمُركُمْ أنْ تُؤدُّوا الأمانات إِلى أَهْلها). قالت: والله يقول: (وإِذا حكْمتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحَكْمُوا بِالعَدْلِ). ويقول:(وأَوُْفوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ). ثم قال: وما ذلك ياأم الرشيد؟ قالت: ما أقسمت لي به أن لا تحجبني ولا تمهني. قال: يا أم الرشيد أتشريه مُحَكَمَةَ فيه؟ قالت: أنصفت، وقد فعلت غير مستقيلة لك، ولا راجعة عنك. قال: بكم؟ قالت: برضاك عمن لا يُسْخطك: قال: يا أم الرشيد أما لي عليك من الحق مثل الذي لهم؟ قالت: بلى! أنت أعز عَلَيّ، وهم أحب إليّ. قال: فتحكمي في ثمنه بغيرهم. قالت: بلى قد وهبتكه وجعلتك في حل منه وقامت عنه، وبقي مبهوتاً ما يحير لفظة. قال سهل: وخرجت فلم تعد ولا والله ما رأيت لها عبرة، ولا سمعت لها أنَّة.