ابتنت في طريق مكة من مساجد ومنازل ومشارب ألف ألف وسبعمائة ألف دينار وما كان ذلك كله إذا قيس بعين زبيدة شيئاً مذكورا.
وقبل أن نأخذ في القول عن عين زبيدة تقول نقول كلمتنا في الأمين وما ذهب من مقالات السوء عنه، فرب قائل يقول: وأي أثر تركته المرأة العظيمة في ولدها الخليع؟
أستغفر الله ما كان الأمين خليعاً، ولا مائقا، ولا مارقا، ولا سرفا في دينه ودنياه بل كان شأنه كشأن أبناء النابهات من العرب، كف نَدِية، وهمة قصية، وفطنة هاشمية، وظل في الفضل ممدود، وأمد في النبل غير محدود، ولكن هُمُ المرجفون، من شيعة المأمون وقالة السوء من شعوبية الفرس، ألحقوا به ما ألحقوا ظلماً وزوراً لأنه اعتصم بالعرب، وجعلهم حزبه وشيعته، وترك ما سنه آباؤه من استدناء الفرس، وابتغاء الوسيلة عندهم، وتفويض الأمر كله إليهم، فنزعوا إلى المأمون ونزع إليهم لما بينه وبينهم من وشيج الرحم وفرط الهوى، فأثاروها على الخليفة العربي حملة فارسية، وأجلب بهم المأمون على أخيه فساروا إليه محدَّدي الأظافر، مرهفي الأنياب، حتى هتكوا عليه داره فذبحوه وحملوا رأسه إلى صاحبهم فهل رأيت أشدّ وأشنع من ذلك؟ أخ يقتل أخاه، ويروى نفسه بدمه، ويحمل رأسه من بغداد إلى أعماق بلاد الفرس؛ ليجعله مسلاة الأعاجم وملهاة الموالي
يقولون إن الأمين أسرف في الشراب فاللهم إنهم كذبوا، لقد علموا أن الرشيد حدّ ابنه المأمون في الخمر أو ما هو شر منها، فأما الأمين فلم يكد يلي أمر المسلمين حتى ارتهن أبا نواس في سجنه وأطال فيه بلاءه وعناءه، لأنه لجّ في الخمر وأكثر من ذكرها.