إلى بناء أهرامهم ومعابدهم، فإن لهذا النوع من الجنون حدّا دونه أو ينتهي إليه، ولكنها قوّة ساحرة يبثها النساء في قلوب الرجال فينخلعون عن أموالهم وأرواحهم في سبيلها.
أرصد الناصر على بناء الزهراء ما ورثه من مال وما جلبه من مغانم، وإن تشأ فقد أرصد عليه ذخر أمم وأعلاق ملوك، واستقدم له المهندسين من بغداد ورومه والقسطنطينية، واجتلب له الرخام الأخضر والواردي والمجزع من إفريقية وتونس وقرطاجنة ورية ورومة، وأعطى على كل رخامة ثلاثة دنانير وعلى كل سارية ثمانية فكان ما جلب له ست عشرة وثلاثمائة وأربعة آلاف سارية.
وأقام الناصر على بناء الزهراء عشرين عاما كانت تستنفد فيها كل يوم ستة آلاف صخرة غير ما كان يستنفده تمهيد طرقها وتعبيد مناهجها فذلك ليس في هذا الحساب. وكان يقوم على البناء عشرة آلاف رجل يعملون دائبين كلما غاب منهم فوج أعقبهُ آخر.
أما وصف المدينة فمما يعجز عقل الإنسان عن تصويره وتصوّره، وهو كما يقول ضياء باشا صاحب تاريخ الأندلس كان بناء الزهراء أعجوبة الدهر التي لم يخطر مثل خيالها في ذهن بَنَّاء منذ برأ الله هذا الكون ولا تمثل رسم كرسمها في عقل مهندس منذ وجدت العقول.
فأنت إذا شارفت المدينة وجدت سوراً يقوم عليه ثلاثمائة برج حربي كأبراج
القلاع وينتظم على محيطه ثلاثة عشر وخمسمائة وألف باب كلها من الحديد الملَّبس بالنحاس أو الآبنوس المطعم بالفضة والذهب! فإذا نفذت إلى لمدينة من أحد أبوابها وجدت حديقة لا يحدها البصر، تشقها طرق منسقة وبرك وغدران تلتقي جميعاً على البحيرة العظمى التي جلب إليها أكثر ما عرف من صنوف السمك، وكان هذا