الأيمان ألا تفتح باب تلك الخزائن ولا تُطلع عليها أحداً إلا المهدي، ولا تَطْلع هي إلا أن يصح عندها موته، فإذا صح ذلك اجتمعت هي والمهدي وليس معهما ثالث حتى يفتحا
الخزانة، فلما قدم المهدي من الري غلى مدينة السلام دفعت إليه المفاتيح وأخبرته عن المنصور أنه تقدّم إليها فيه ألا يفتحه ولا يطلع عليها أحداً حتى يصح عندها موته، فلما انتهى إلى المهدي موت المنصور وولي الخلافة فتح الباب ومعه ريطة فإذا فيه جماعة من قتلى الطالبيين وفي آذانهم رقاع فيها أنسابهم وإذا فيه أطفال ورجال شباب ومشايخ عدة كثيرة، فلما رأى المهدي ارتاع لِما رأى فحفرت لهم حفيرة ودفنوا فيها.
تلك فَغْلَة من فَعَلات أبي جعفر بأبناء عمه، وهي مَثَل واحد من كثير لا حدّ له. وما كان الرشيد بأنعم يداً، ولا أرق كبداً من جدّه المنصور، بل كانت سيوفه الطائشة كحمم النار ترتمي يميناً وشمالاً على رءوس الأبرياء من بني عمه، حتى لقد كانت سياسته فيهم سياسة إبادة وإفناء. فأين تقرّ العيون الباكية، وكيف تسر القلوب الدامية، وهل يطمئن بالحياة من تنذره كل لحظة بحيف نازل أو كيد محيق. لذلك لم يجد نساء هذا البيت فَرجة من الهم ولا متسعاً للسرور. ولذلك ائتنسن بالوحشة، واسترحن إلى الوحدة، وانعطفن إلى الدين، حتى لقد نشأ جواري ذلك البيت على غير ما ينشأ عليه جواري ذلك العصر. فما كانت تدخل في رقهم حتى تتلقاها إحدى نسائهم فترويها الحديث وتعلمها الفرائض.
وقد حدثوا أن فتاة رومية من بيت القياصرة، وفدت على أبي محمد الحسن العسكري فلما رآها راغبة في مصاهرة بيت النبوّة، دعا أخته حكيمة فقال: خذيها إلى منزلك فعلميها الفرائض والسنن.
ومما أذكر في وصف هذين البيتين وعقد الموارنة بينهما قول أبي فراس الحمداني