فهل إذا قيل لك فلانا العالم ذبح في حياته تسعمائة شاة أفلا يكون ذلك إسرافاً مبيناً ذلك عالم ليس له إلا ما قيم أوده مما يوصف لأمثاله من بيت مال المسلمين فكم من النساء يمسك الغنى إذا نزل السوق الراكد ومعه ماله وجاهه.
وفي هذا السوق قضى على المطلقات قضاء لا مرد له، فلا يطلب المطلقة طالب ولا تلمحها نفس راغب، وقد كان من سنة العرب حتى آخر العهد الأموي، أن المرأة يخلفها بعد زوجها زوج ومن بعده أزواج، فلا يتضع لها قدر، ولا تطمئن لها عزة، وربما كان آخر أزواجها أسنى شرفاً وأدنى إلى قلوب النساء من أولهم لأن المرأة إنما تخطب لسناء شرفها وعلو بيتها، ونبل خلالها، وذلك ما لم ينقصه الطلاق شيئاً. أما الآن وقد شغل الناس بلذاذات الشباب، واستمرءوا مرعى
الجواري فأقل ما يطلب أبكار العرب بَلْه ثَيّبهن. وإلى تلك الحال أشار الجاحظ في كتاب القيان إشارة الآسف المحزون، وإن من أوضح ما يكشف عن رأي الرجل في المرأة ومنزلتها من نفسه وحالها في بيته قول القائل:
اذهبي قد قضيت منك قضائي ... وإذا شئت أن تبيني فبيني
ولعل أبلغ في الإنباء بحالها، وتجني الرجل عليها قول أبي الشيص:
إذا لم تكن طرق الهوى لي ذليلة ... تنكبتها وأنحرت للجانب السهل
وما لي أرضي منه بالجوز في الهوى ... ولي مثله ألف وليس له مثلي
ثم انظر إلى المجاهرة بالغدر، والمجابهة بمكنون النفس، والمظاهر بدخيلة الرأي في قول القائل:
يا رب مثلك في النساء كثيرة ... بيضاء قد متعتها بطلاق
لم تدر ما تحت الضلوع وغرّها ... مني تجمل شيمتي وخلاقي