الكافي فقال: لا يجوز للمرأة أن تلبي جهرة لأن صوتها عورة، بل لقد تجاوز صاحب الفتح كل ذلك إلى الفتوى بفساد صلاة المرأة لو جهرت بالقراءة.
كل ذلك مما تأوله فقهاء القرن الخامس وما يليه - باسم الدين - درءا للفتنة الناشئة وحسما للداء الوبيل، وما عسى أن يفعل هؤلاء وقد طغى الفساد على مشاعر الفاضلة فلا يعرف من المرأة إلا أنها ذريعة إلى مأرب فاسد وسبيل إلى مطمح وخيم.
ولقد أغرق الناس في حجاب المرأة حتى عيب عليهم أن يذكروا اسمها، وبعد أن كان معاوية يتحدث عن نفسه في مجلس خلافته فيبدأ حديثه بقوله أنا ابن هند وبعد أن جاء شاعر بني أمية يمدح فحل أجمعتهم عبد الملك بن مروان بقوله:
أنت ابن عائشة التي ... فضلت أروم نسائها
بعد كل هذا وأشباهه أصبح اسم المرأة عورة ذكره وتُتَلمسَ وجوه الكناية عنه، حتى لقد أراد أبو الطيب أحمد بن الحسين المتنبي أن يرثي خَولة بنت حمدان أخت سيف الدولة فسماها فَعْلَة، وهذا قوله:
كأن فَعْلَةَ لم تملأ مواكبها ... ديار بكر ولم تَخْلَع ولم تهب
هذا والمتنبي شاعر نشأ بين الأعراب وسار في مساقهم ورغم ذلك لم يشأ أن يصرح باسم مرثِيَّته وذكر عنها تلك الكناية الغريبة.
فانظر إلى هذا النوع من الحجاب كيف ألجأ الشاعر العظيم إلى تلك الكناية الفاسدة
وأخرجه ذلك المخرج المعيب؟ ولقد أراد ذلك الشاعر أن يصف ذلك الحجاب في رثائه والدة سيف الدولة فدعاه دفناً! وذلك بقوله:
صلاة الله خالقنا حنوط ... على الوجه المكفن بالجمال
على المدفون قبل الموت صوناً ... وبعد الموت في شرف الخلال