فصعدت إلى موضع أشرف عليهن وأراهن ولا يريني، فرأيت نسوة أربعا كأحسن ما يكون من النساء وأشكلهن، ومعهن خدم لهن وأشياء قد أصلحت من طعام وشراب وآلة، فلما اطمأن المجلس بهن جاء خادم لهن ومعه خمسة أجزاء من القرآن فدفع إلى كل واحدة منهم جزءا ووضع الجزء الخامس بينهن فقرأن أحسن قراءة، ثم أخذن الجزء الخامس فقرأت كل واحدة منهن ربع الجزء ثم أخرجن صورة معهن في ثوب ديبقي فبسطنها بينهن فبكين عليها ودعون لها ثم أخذن في النوح فقالت الأولى:
خلس الزمان أعز مختلَس ... ويد الزمان كثيرة الخلس
للهِ هالكه فجعت بها ... ما كان أبعدها من الدنس
أتت البشارة والنعي بها ... يا قرب مأتمها من العُرْس
ثم قالت الثانية:
ذهب الزمان بأنس نفسي عَنوةً ... وبقيت فرداً ليس لي من مؤنس
أودى بملك ولو تُفَادَي نفسها ... لفديتها مِمَّن أُعِزُّ بأنفس
ظلت تكلمني كلاماً مطمعاً ... لم أسترب فيه بشيء مؤيسِ
حتى إذا فتر اللسان وأصبحت ... للموت قد ذبلت ذبول النرجس
وتسهلت منها محاسن وجهها ... وعلا الأنين تَحثُّه بتنفُّس
جعل الرجاء مطامعي يأساً كما ... قطع الرجاَء صحيفَةُ الملتمس