أحين من كنت أرجو دنوّه ... رمتني عيون الناس من كل جانب؟
فأصبحت مرحوماً وكنت مُحسّداً ... فصبراً على مكروه مُر العواقب
ثم غنت الرابعة:
سأُفني بك الأيام حتى يسرني ... بك الدهر أو تفنى حياتي مع الدهر
عزاء وصبراً أسعَدني على الهوى ... وأحمد ما جربت عاقبة الصبر
ثم أخذت الصورة فعانقتها وبكت وبكين ثم شكون إليها ما كن فيه، ثم أمرن بالصورة فطريت، ففرِقْت أن يتفرقن قبل أن أكلمهن، فرفعت رأسي إليهن، فقلت لقد ظلمتن الغربان، فقلن لو قضيت حق السلام وجعلته سبباً للكلام لأخبرناك بقصة الغربان، قال فقلت إنما أخبرتكن بالحق، قلن وما الحق في هذا؟ وكيف ظلمناهن؟ قلت إن الشاعر يقول:
نعب الغراب برؤية الأحباب ... فلذاك صرت أحِب كل غراب
قالت إحداهن صحفت وأحلت المعنى إِنما قال: بفرقة الأحباب فلذاك صرت عدو كل غراب. فقلت لهن: فبالذي خصكن بهذا المجلس وبحق صاحبة الصورة لَمَا خَّبرتُنَّني بخبركن! قلن لولا أنك أقسمت علينا بحق من يجب علينا حقه ما أخبرناك! كنا صواحب مجتمعات على الألفة، لا تشرب منا واحدة البارد دون صاحبتها فاخترمت صاحبة الصورة من بيننا، فنحن نصنع في كل موضع نجتمع فيه مثل الذي رأيت، وأقسمنا أن نقتل في كل يوم نجتمع فيه ما وجدنا من الغربان لعلة كانت؛ قلت وما تلك العلة؟ قلن فرق بينها وبين أنس كان لها ففارقت الحياة فكانت تذمهن عندنا وتأمر بقتلهن، فأقل ما لها عندنا أن نمتثل ما أمرت به، ولو كان فيك شيء من السواد لفعلنا بك فعلنا بالغربان، ثم نهض فمضين ورجعت إلى أصحابي فأخبرتهم بما رأيت، ثم طلبتهن بعد ذلك فما وقعت لهن على خبر ولا