ورأيت امرأة عند القبرين وهي تقول: بأبي! لم تمتعك الدنيا من لذتها، ولم تساعدك الأقدار على ما تهوى، فأوفرتني كذا، فصرت مطية للأحزان، فليت شعري كيف وجدت مقيلك، وماذا قلت وقيل لك، ثم قالت: استودعتك من وهبك لي ثم سلبني أسرّ ما كنت بك. فقلت لها يا أمه! ارضي بقضاء الله عز وجل وسلمي لأمره. فقالت: هاه! نعم فجزاك الله خيراً، لا حرمني الله أجرك ولا فتنني بفراقك. فقلت لها من هذا؛ فقالت: ابني وهذه ابنة عمه، كان مسمى بها زفت إليه ثم أخذها وجع أتى على نفسها فقضت، فانصدع قلب ابني فلحقت روحه روحها، فدفنتهما في ساعة واحدة، فقلت فمن كتب هذا على القبرين، قالت أنا، قلت وكيف؟ قالت: كان كثير ما يتمثل بهذين البيتين فحفظتهما لكثرة تلاوته لهما، فقلت ممن أنت، فقالت فزارية، قلت ومن قائلهما: كريم بن كريم، سخي ابن سخي؛ شجاع ابن بطل، قلت من؟ قالت: مالك بن أسماء بن خارجة يقولها في امرأته حبيبة بنت أبي جندب الأنصاري، ثم قالت وهو الذي يقول:
يا منزل الغيث بعدما قنطوا ... ويا ولي النعماء والمنن
يكون ما شئت أن يكون وما ... قدرت ألا يكون لم يكن
يا جارة الحي كنت لي سكناً ... إذ ليس بعض الجيران بالسكن