أو بالواسطة فلا نكون مغالين في قولنا لأن سكان المدن الكبيرة والمتوسطة وإن كان عددهم يقرب من نصف مجموع السكان في الشام فكثير منهم لا عمل له غير الفلاحة. ويتصرف الشاميون اليوم بالأرض على نسبة غير عادلة، ومعنى هذا أن أرباب الوجاهة والثروة على قلتهم يتصرفون بمساحات واسعة جداً في كثير من المناطق، بينا الفلاح يعمل في الأرض دون أن يكون له في تملكها نصيب ففي أطراف حماة مثلاً ١٢٤ قرية منها ثمانون في المائة لأرباب الوجاهة من عيال لا تتجاوز عدد الأصابع، والباقي وهو عشرون في المائة يتصرف به الفلاحون ورجال الطبقة المتوسطة من الشعب. وفي أرجاء حمص ١٧٦ قرية منها ثمانون في المائة للوجهاء دون غيرهم وعشرون في المائة مشاع بين هؤلاء الوجهاء والفلاحين إلا بضع قرى لم تمتد إليها أيدي المتغلبين فلبثت للفلاحين وحدهم. وهكذا قل عن كثير من مناطق الشام كقرى معرة النعمان وغيرها في حلب.
وليست الحالة كذلك في حوران حيث ترى ٩٥ بالمائة من الأرض موزعة بين سكانه على نسبة عادلة، وكلهم أرباب فلاحة وكذا في جبل حوران وعجلون والبلقاء والكرك ووادي التيم وإقليم البلان، وما من بيت من بيوت دمشق الكبيرة إلا ويملك مساحات واسعة في الغوطة بل نصف الأرض فيها بيد متوسطي الزراع والربع بيد صغارهم والربع الأخير يخص أرباب الوجاهة بدمشق.
وبعد، فقد كان السلطان عبد الحميد العثماني من أقدر السلاطين على تملك الأرضين وجمع الثروة، فقد تملك لشخصه شرقيّ حمص وسلمية نحو ملين هكتار من الأرض تشتمل على جبل البلعاس والشومرية وتمتد إلى مقربة من تدمر، وعمّر فيها نحو مائة وعشرين قرية ومزرعة تستثمر نحو مائة ألف هكتار. وتملّك في أنحاء حلب نحو ٥٠٠. ٠٠٠ هكتار فيها اليوم ٥٦٧ قرية ومزرعة عامرة حوالي منبج والباب وعلى الشاطئ الغربي من الفرات من مصب الساجور إلى مسكنة ويشمل معظم جبل الحاص ومساحات واسعة جنوبي حلب عند مصب نهر قويق واقتنى أيضاً سبع قرى في حوران منها قرية المسمية كما اقتنى بَيسان وبضع قرى بالقرب منها. وكان يوطد الأمن في هذه المملكة الخاصة الواسعة ويعفي الزراع المستأجرين من الجندية ويحميهم من تعدي أرباب الوجاهة ويسلفهم المال بلا ربا