للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هجر الدين اللغات الأعجمية وكان لسان القائمين بالدولة الإسلامية عربيا هجرت كلها في جميع ممالكها، لأن الناس تبع للسلطان وعلى دينه فصار استعمال اللسان العربي من شعائر الإسلام وطاعة العرب. وهجر الأمم لغاتهم وألسنتهم في جميع الأمصار والممالك وصار اللسان العربي لسانهم حتى رسخ ذلك لغة في جميع أمصارهم وصارت الألسنة الأعجمية دخيلة فيها وغريبة اه.

[العربية لغة كاملة وفصاحة الشام:]

يقول رنان: من أغرب ما وقع في تاريخ البشر، وصعب حل سره، انتشار اللغة العربية. فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ بدء فبدت فجأة على غاية الكمال، سلسة غنية وأي غنى، متقنة بحيث أنها من ذلك العهد إلى يومنا هذا لم يدخل عليها أدنى تعديل مهم، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة، ولا أدري إذا كان وقع مثل ذلك للغة من لغات الأرض دون أن تدخل في أطوار وأدوار مختلفة. قال: وما عهدت فتوح قط أعظم من انبساط ظل العربية ولا أشد سرعة منها، فإن العربية ولا جدال قد عمت أجزاء كبرى من العالم، لم ينازعها الشرف في كونها لغة عامة أو لسان فكر ديني أو سياسي أسمى من اختلافات العناصر إلا لغتان اللاتينية واليونانية، ولكن أين مجال هاتين اللغتين في السعة من الأقطار التي عم انتشار اللغة العربية فيها.

قلنا: وربما ذهب الشام بفضل هذا الشرف الأعظم، ولعله سبق العراق ومصر في الأخذ بمذاهب العرب. لقرب أهلها من خطط العرب ولا سيما أهل الحجاز وبعدهم عن بلاد العجم، حتى إن كتّاب الدولة الأموية استعملوا من الألفاظ العربية الفحلة والمتينة الجزلة ما لم تستعمل مثله الدولة العباسية، لأن كتّاب الدولة الأموية قصدوا ما شاكل زمانهم الذي استفاضت فيه علوم العرب ولغاتها حتى عدت في جملة الفضائل التي يثابر على اقتنائها. وليست استفاضة لغة العرب في العراق كاستفاضتها في أرض الحجاز والشام. وقال اليزه ركلو: إن أهل دمشق أكثر السوريين عراقة في

<<  <  ج: ص:  >  >>