كانت الشام أخت مصر في آخر الدولة الشركسية تقاسمها شقاءها شق الأبلمة، فيستبد المتغلبة من المماليك بالأحكام بحسب ضعف صاحب مصر وقوته، والصالح في نوابها وملوكها قليل. ولم يسعد القطران بعد فتنة تيمورلنك بسلطان عادل يطول عهده ليعرف مواقع الضعف فيسد خللها، ويزيح بحسن الإدارة عللها. وشغل ملوك الشراكسة بالتجاريد على حسن الطويل وشاه سوار وابن عثمان من الملوك في شمالي المملكة وشرقها يجردونها فيجردون بها الرجال والأموال، وقد خرج الناس بعد وقائع الصليبيين والمغول وما أعقبها من الأوبئة والزلازل والمجاعات أعرى من مغزل، وأزمنت الفوضى في أرجائها فساءت حالتها الاقتصادية والاجتماعية.
أحي أكثر الناس بما عرض للدولة من الضعف فأخذوا يتطلعون إلى الدولة العثمانية، وكانت إلى الشام ومصر أقرب الدول الإسلامية الكبرى، هذا والدولة العثمانية إذ ذاك في إبان شبابها، وقد وقرت في النفوس منذ أسس بنيانها السلطان عثمان التركماني سنة ٦٩٩ على أنقاض دولة السلجوقيين، ولا سيما بما قام به محمد الثاني فاتح القسطنطينية من الغزوات والفتوحات، وتوفق له من فتح عاصمة الروم البيزنطيين بعد أن حاول كثير من ملوك العرب وغيرهم ذلك فلم يفلحوا لبعدها عن مواطن قواتهم، ولقوة سلطان القسطنطينية في تلك العصور، والأمور مرهونة بأوقاتها.