والعربية ثانياً، وذلك لأن اليونان والرومان كانوا فيها مستعمرين ولم يكونوا من أهلها كما كان السريان. ومن أجل هذا لم يؤثر حكم الروم والرومان هنا على طول عهدهما
في قلب لغة السكان، بل تعلمها بعض أفراد كما يتعلم بعضنا التركية والفرنسية والإنكليزية وغيرها من اللغات التي حكم أهلها الشام أو كانت لنا بأربابها علاقة تجارية أو سياسية أو علمية، بل كما كان بعضهم يتعلم في القرن الماضي اللغة الطليانية لقلة مدارسنا ومدارس الأمم الأخرى يومئذ.
[الشاميون أمة واحدة لسانهم العربية فقط:]
قلنا من محاضرة في سكان الشام ولغاته: مهما قيل في كثرة عدد المتكلمين بالفرنسية في بيروت وبالعبرية في القدس وبالتركية في حلب، ومهما اختلفت درجة العواطف من حيث حب العربية، فالبلاد عربية صرفة والسكان عرب مهما ضعفوا وضعفت مشخصاتهم. ولا ينسبون إلى غير أُمهم ولا يدعون إلا لآبائهم. يقولون: إن من تعلم لغة قوم أحبهم فما أحرى أن يحب المرء أولاً أرضاً أنبتته، وأهلاً تجمعه وإياهم جامعة الوطن والجنس واللسان. نحن في الشام أمة واحدة مهما حاول المحاولون أن يجعلوا بيننا فروقا. والمذاهب ما كانت ولن تكون معيارا في هذا الباب. الماروني والكاثوليكي والأرثوذكسي والإنجيلي والعلوي والإسماعيلي والعبري وغيرهم تربطنا بهم رابطة أجمع من كل الروابط، رابطة المصلحة الواحدة والوطن المشترك، وقرابة الجنس وأواصر اللغة.
إن كنت أحب بيتي فما أولاني أن أحب سكانه. إن كنت لا أرى عُدتي في شدتي، غير أُمتي، فما أحراني أن أرعى ذمامها، وأحمي مشخصاتها، وأول المشخصات في شعب هو لغته. ومعظم الأمم الحديثة تكونت تحت رايتها، وسادت وشادت بتأثيرها. من اللغات يا قوم ما لا ينطق به أكثر من بضعة ملايين كالدانمركية والسويدية والفنلندية، مع هذا تجد بين أبنائها - من الصلات على اختلاف في المذهب - ومن التناغي بحب قوميتهم ما لا يقلُّ عن تغالي الإنكليزي والألماني والفرنسي والطلياني