للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل عشرات الألوف من السنين، يوم كان يأوي إلى الكهوف، ويقتات بالنبات، ويفترس الوحوش، مع أننا نجعل ونحن في القرن العشرين كثيراً من عقائد بعض الشعوب الضاربة في مجاهل إفريقية وهي معاصرة لنا.

ومن الإنصاف أن لا ننكر فضل من نقلوا إلينا أخبار القدماء لأن هذا الشيء اليسير هو الذي أثار في فئة من الناس حب الاستطلاع، وكانت هذه النصوص نوراً يستضاء به، ومراجعاً يستأنس به. وعلماء الآثار أصدق الناس في هذه الروايات، وهم وإن لم ينكروا وقوعها فلا يجزمون بصحتها إلا متى عثروا على دليل من ذلك العصر يؤيدها. ولأبحاث علماء الآثار ميزة جديرة بالاعتبار فإنها تكون في أكثر الأحايين منزهة عن الأغراض والغايات النفسانية. وقد يخطئ الأثري في استنتاجة، ولكنه لا يعتمد تشويه الحقائق، لأن همه الوحيد أن يحيي هذا الماضي البعيد، ويصبح ومعاصروه كأنهم يعيشون في ذاك العصر وذاك المحيط. ومن منا لا يشعر بمثل هذا الشعور عندما يزور متحفاً أو معبداً أو أطلالاً قديمة. وكيف يمكنه أن ينكر الحقيقة ولسان حال هاته الأمم البائدة يقول:

إن آثارنا تدل علينا ... فانظروا بعدنا إلى الآثار

لقي هذا العلم الحديث إقبالاً عظيماً في الغرب فعنيت حكوماتها به، وأصدرت للمشتغلين به أموالاً طائلة، وأنشأت له المدارس والمجامع العلمية أسوة ببقية العلوم. وقد أبدى الأثريون على قلة عددهم نشاطاً عظيماً، ووضعوا في برهة قصيرة كثيراً من المؤلفات المفيدة. وقد نال الشام قسط وافر من هذه الأبحاث، فهي أول بقعة اتجهت نحوها الأنظار وخصوصاً فلسطين، لمكانة الشعوب التي استوطنتها منذ الزمن الأول الأطول، وأهمهم الشعب الإسرائيلي، لعلاقة الأمم الغربية بكتابهم المقدس.

[البعثات الأثرية الغربية:]

أوفدت أكثر حكومات الغرب بعثات علمية للتنقيب عن آثار الشام نخص منها بالذكر البعثة الفرنسية التي رافقت حملتها في سنة ١٨٦٠ والجمعية الإنكليزية للبحث عن آثار فلسطين. ثم تضاعفت الهمم فجاء من

<<  <  ج: ص:  >  >>