تيمورلنك ساعة ثم رجع من عنده فأخبر بأن تيمورلنك تلطف معه في القول وقال له: هذه بلد فيها الأنبياء وقد أعتقها لهم. وشرح من محاسن تيمورلنك شيئاً كثيراً وجعل يخذل أهل الشام
عن قتاله ويرغبهم في طاعته، فصار أهل البلد فرقتين فرقة ترى ما رآه ابن مفلح وفرقة ترى محاربته، وكان أكثر أهل البلد يرون مخالفة ابن مفلح، ثم غلب رأيه ورأي أصحابه، فقصد أن يفتح باب النصر فمنعه من ذلك نائب قلعة دمشق وقال لهم: إن فعلتم ذلك أحرقت البلدة جميعها، ولكن نائب القلعة لما رأى عين الغلب سلم إليهم القلعة بعد ستة وعشرين يوماً قال: ثم قبض تيمورلنك على ابن مفلح وأصحابه وأودعهم في الحديد.
[وصف أفعال تيمورلنك في دمشق:]
ذكر ابن تغري بردي أنه لما قدم الخبر على أهل دمشق بأخذ حلب نودي في الناس بالرحيل من ظاهرها إلى داخل المدينة والاستعداد لقتال العدو، فأخذوا في ذلك فقدم عليهم المنهزمون من حماة فعظم خوف أهلها، وهموا بالجلاء فمنعوا من ذلك، ونودي من سافر نهب فعاد إليها من كل خرج منها، وحصنت دمشق ونصبت المجانيق على قلعتها ونصبت المكاحل على أسوارها واستعدوا للقتال، ثم نزل تيمورلنك بعساكره على قطنا، فملأت الأرض كثرة، وركب طائفة منهم لكشف الخبر فوجدوا السلطان والأمراء قد تهيئوا للقتال، وصفت العساكر السلطانية فبرز إليهم التمرية وصدموهم صدمة هائلة، وثبت كل من العسكريين ساعة فكانت بينهم وقعة انكسرت فيها ميسرة السلطان، وانهزم العسكر الغزاوي وغيرهم إلى ناحية حوران وجرح جماعة، وحمل تيمورلنك بنفسه حملة عظيمة شديدة ليأخذ دمشق، فدفعته ميمنة السلطان بأسنان الرماح حتى أعادوه إلى موقفه، ونزل كل من العسكريين بمعسكره وبعث تيمورلنك إلى السلطان في طلب الصلح وإرسال أطلمش أحد أصحابه إليه وأنه هو أيضاً يبعث من عنده من الأمراء المقبوض عليهم في واقعة حلب. ثم هرب الملك لأنه بلغه أنهم يسلطنون غيره في مصر فاراً بجماعته.
وكان اجتمع في دمشق خلائق كثيرة من الحلبيين والحمويين والحمصيين وأهل القرى ممن خرج جافلاً من تيمور، ما عدا العساكر الدمشقيين الذين