الديون العمومية أربعة مليارات فرنك بعد أن كانت قبل عشر سنين ٣٧٥ مليوناً أنفقها السلطان في خصوصياته. وبينا كان عسكر الدولة يحتاج إلى المال في بلغاريا، والموظفون لم يتناولوا رواتبهم منذ أشهر، كان عبد العزيز يفكر في نقل قسم من ثروته الخاصة على باخرة أجنبية إلى أودسا. هذا والثورة فاشية في بلغاريا، والصرب والجبل الأسود تحاربان الدولة، وأوربا تخاطب الحكومة في أمر النصارى الذين كانت تخشى على حياتهم مخاطبة الآمر للمأمور فتمسّ كل يوم عاطفتها، وشهرت الدولة إفلاسها ولم يصرف السلطان من الأموال التي اقترضها سوى واحد من خمسة عشر على الجيش والأسطول. برهان واضح على قبح الحكم المطلق كيف كان نوعه وحالة القائم به، وأنه إذا اتفق أن جاءت فيه بعض أيام راحة فهي نسبية لا تكون معياراً، ولم تربح الدولة من عهد عبد العزيز سوى تأسيس نظارتين مهمتين: العدلية والمعارف.
[خلع عبد العزيز وتولية مراد الخامس:]
شقيت السلطة بإدارة عبد العزيز وكادت تتداعى أركان الدولة وهو لاهً في أفراحه لا يبالي بما تخبؤه الأيام، ما دام كل من تحت سماء السلطنة عبيده الخاضعين، وأصبح لا ينفذ أمراً للوزارة، وكأنه عرف حالته فأخذ يفاوض إمبراطور روسيا سراً ليحميه فاطلع الوزراء على الأمر، فلما رأوا سوء المغبة عياناً تآمروا على
خلعه، فاجتمع الصدر الأعظم مدحت باشا وناظر الحربية حسين عوني باشا ورشدي باشا المترجم من أعاظم رجال السلطنة بالاتفاق مع الشريف عبد المطلب، وكان ذلك برأي مدحت باشا أولاً، وأسرعوا في خلع عبد العزيز على حين فجأة، قبل أن ينقل ثروته إلى الديار الأجنبية، ويطلع على ما دبروا له فيبطش بالمتآمرين، وذلك بفتوى شيخ الإسلام حسن خير الله أفندي أثبت فيها عليه العَتَةَ والجهل بالأمور السياسية، والإسراف في أموال الأمة بما لا تستطيع تحمله وإنفاقه في شهواته، وإخلاله بعمله في أمور الدنيا والدين مما ساق الملك والملة إلى الخراب. ونصبوا بدله مراد الخامس.
ولما كان عبد العزيز على جانب من عزة النفس وشمم السلطنة صعب عليه