لم يخل الجو لملوك التركمان السلاجقة وأتباعهم في الشام زمناً طويلاً بعد مقتل مسلم بن قريش العربي، فكانت المدة بين مقتله وورود الأخبار بخروج عسكر الصليبيين إلى الأرض المقدسة ثلاث عشرة سنة كما مضى مثل هذا العدد من السنين بين استيلاء أول تركي واستيلاء أول إفرنجي. وكان القطر خلال ذلك في هرج ومرج، يتطاحن أمراؤه يمزق بعضهم بعضاً. تتعاوره أيدي ملكشاه وأخيه تتش بن آلب أرسلان ثم أولاده رضوان ودقاق والمماليك آق سنقر وبزان وطغتكين وأولاد أرتق ايلغازي وسقمان، والسلاجقة هنا يميلون إلى الخلافة العباسية، وإذا رأى بعضهم القوة لأصحاب الخلافة المصرية يغمضون الطرف عنهم، والفاطميون لا يملكون غير بعض الساحل، وأصبح القطر للتركمان، ويصعب على عرب الجزيرة إنجاده لبعد المسافات، وبغداد مهد العرب مشتغلة بنفسها.
ربما كان في استيلاء التركمان على الشام خير لم تعرف حكمته إلا بعد حين، وهو قيام دولة فتية لها جيش جرار اشتهر بالشجاعة حتى قيل: إن آلب أرسلان لما جاء المرة الأولى إلى شمالي الشام كان في أربعمائة ألف مقاتل، ومثل هذا الجيش لا تستطيع العراق والشام والجزيرة أن تجنده لدفع جيوش الفرنج الجرارة، هذا على فرض أن قواها موحدة، وروحها