وأغار الأمير لجه التركي ٥٣٦ النازح عن دمشق إلى خدمة عماد الدين على بلد الفرنج وظفر بخيلهم وفتك بهم فقتل منهم سبعمائة رجل. وظهر ٥٣٧ صاحب إنطاكية في ناحية بزاعة فثناه عنها النائب في حفظ حلب وحال بينه وبينها. وظهر متملك الروم في الثغور دفعة ثانية وبرز إليه صاحب إنطاكية وأصلح أمره معه. وفي سنة ٥٣٧ خرجت فرقة وافرة من الفرنج إلى ناحية بعلبك للعيث فيها فقتل المسلمون أكثرهم وعادوا إلى بعلبك سالمين. وظفر عسكر بفرقة كبيرة من التجار والأجناد خارجين من إنطاكية تريد أرض الفرنج فأوقعوا بها وقتلوا من كان معها من فرسانهم.
وفي سنة ٥٣٩ فتح عماد الدين زنكي الرّها من الفرنج ثم تسلم مدينة سروج وسائر الأماكن التي كانت بيد الفرنج شرقي الفرات. وكان لا يمر بعمل من أعمالها ولا معقل من معاقلها فينزل عليه إلا سلم إليه في الحال، وهزم التركمان الفرنج الذين انتدبوا من إنطاكية لإنجاد أهل الرّها شر هزيمة، وتمكن السيف في أكثر الراجل وتفرقوا في أعمالهم ومعاقلهم مفلولين. أي أن عماد الدين أتى ببأسه على إمارة الشمال الصليبية برمتها وهي إحدى الإمارات الأربع التي أقامها الصليبيون في الشام، فلم يبق لهم إلا إمارة إنطاكية وهي تمتد إلى قيليقية وإمارة طرابلس وإمارة القدس.
[الحال بعد نصف قرن من نزول الصليبيين:]
نصف قرن مضى على دخول الصليبيين الشام وهي إذا ما خلا فيها سيد قام سيد، يشتد في دفعهم أو يحافظ على الحالة الحاضرة، وكلما رأى من يعتد بعقلهم وغيرتهم من أمراء المسلمين عدم وفاء الصليبيين للعهود زادوا في قتالهم وأمعنوا في تخريب حصونهم وأرضهم، وهذه الأراضي أي القرى والمزارع كانت ملك
الفلاحين من المسلمين والمسيحيين، والويل لمن كان صعقهم في طريق المهاجمين والمدافعين فإن مزرعته وداره إلى بوار، ولا سيما في أعمال حلب وطرابلس لقربهما من إمارتين إفرنجيتين قويتين وأعمال حوران والسواد والبلقاء وجبل عوف وجبل الشراة فإن المتكفل بغزوها صاحب القدس وهو أقوى ملوك الفرنج في الشام. وإليه يرجع في المهمات والقضايا العظيمة، وهو ينجد أصحاب الرها وإنطاكية وطرابلس يوم الشدائد.