أصل أسرتنا من السليمانية تنسب إلى الأكراد الأيوبية، جاء جدي إلى دمشق في التجارة وكان من أهل اليسار فراقته وسكن فيها. ثم ذهب في بعض السنين إلى الحجاز متجراً، واتفق له أن انتقد ذات يوم عملاً من أعمال محافظ الحج، وكان ظالماً جباراً، فشق ذلك عليه، وأمر بمصادرته في كل ما يملك، فاضطر أن يذهب إلى الآستانة مستعدياً. وما زال يعمل الوسائط حتى اجتمع بالسلطان، واقترح عليه هذا أن يصرف النظر عن دعواه على محافظ الحج، ويأخذ مقابل ماله قريتين في الشام إقطاعاً له ولأولاده من بعده، فأبى وقال للسلطان: ما جئت لآخذ صدقة بل جئت أطلب عدلاً وأنصافاً.
وهكذا رجع إلى دمشق مجرداً من ثروته وهلك قهراً بعد قليل. وخلف والدي يتيماً فقيراً فاشتغل لأول أمره في صناعة الخياطة ثم بالتجارة، فأثرى مرات وخسر مرات، وابتاع في آخر أمره مزرعة صغيرة في الغوطة تمززتها أنا واخوتي منذ صغاراً وإلى الآن.
ولدت في دمشق أواخر صفر سنة ١٢٩٣هـ ١٨٧٦م، من أم شركسية، ولما بلغت السادسة في العمر أخذت بتلقي القراءة والكتابة ومبادئ العلوم الإسلامية والحساب والطبيعيات في مدرسة كافل سيباي الأميرية، وتلت شهادتها من الدرجة الأولى. ثم دخلت المكتب الرشدي العسكري فدرست مبادئ التركية، وكانت دروس الفرنسية ناقصة فأتاني والدي بمعلم إلى الدار أخذت عنه نحو هذه اللغة وصرفها على الأصول مدة ثلاث سنين،