للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتال المسلمين وما زال يميل إلى حقن الدماء لعلمه بأن خيانة حكومتها لا تكون ولن تكون سبباً للعبث بالغرض المقدس الذي يرمي إليه من إنقاذ الأمة ولطالما قال: إني أرفه المسلمين ليكون بذل نفوسهم في مجاهدة أعدائهم.

ولما تجلت لمجير الدين غلطته في مفاوضة الصليبيين للخلاص من نور الدين لم يستطع حفظاً لملكه إلا قبول الشروط التي وضعها نور الدين عليه، ودخل مجير الدين على نور الدين في حلب فبالغ هذا في إكرامه وقرر معه تقريرات اقترحها.

[مقاصد نور الدين وفتحه دمشق:]

كانت همة نور الدين منصرفة في كل أطواره إلى توحيد الإمارات الإسلامية وهذه، كما في التاريخ العام، كانت على عهد الحروب الصليبية تتألف وتتمزق على الدوام بحسب طوالع الحروب والدسائس التي تقوم ثورتها بين الأمراء، وبحسب انتقال الملك وتقسيمه، وامتيازات الأسر. وكان في جبال الشام خاصةً من الأمراء من لم تكن أرضهم تتجاوز ربض قلاعهم وضاحيتها كصاحب شيزر، ولذلك عامل نور الدين مجير الدين صاحب دمشق على ما بدر منه من الأغلاط النابية عن حد الوطنية والقواعد الشرعية معاملة رفق وإغضاء، لأن المقصد جمع الشمل والسؤدد مع السواد. ومما أفاد في هذا العقد وصول الأسطول المصري إلى الساحل في سبعين مركباً حربياً مشحوناً بالرجال واقترابه من يافا فقتل وأسر وأحرق واستولى على عدة وافرة من مراكب الفرنج والروم، ثم قصد ثغر عكا وصيدا وبيروت وطرابلس وفعل فيها مثل ذلك. قال ابن ميسر: وظفر الأسطول المصري بجماعة من حجاج الفرنج فقتلوهم عن آخرهم، وبلغ ذلك نور الدين

محمود بن زنكي ملك الشام فهمّ بقصد الفرنج في البر ليكون هو في البر والأسطول المصري في البحر فعاقه عن ذلك الاشتغال بإصلاح دمشق، ولو اتفق مسيره مع الأسطول لحصل الغرض من الفرنج، وكان من جملة ما أنفقه العادل بن السلار على هذا الأسطول ثلاثمائة ألف دينار.

لم تقف همة نور الدين عند هذه الغاية بل اهتبل الغرة وشغل المحتلين في الساحل بما نزل عليهم من بلاء الأسطول المصري، فغزا الشمال وأسر جوسلين صاحب تل باشر وملك قلاعه وهي تل باشر - وكان الأمير حسان المنبجي قد فتحها بأسم نور الدين وهو على أبواب دمشق ٥٤٦ - وعينتاب ودلوك - وكان القتال على هذه شديداً جداً - وعزاز وتل خالد وقورس والراوندان وبرج الرصاص وحصن البارة وكفرسود وحصن بسرفوت بجبل بني عليم وكفرلاثا ومرعش ونهر الجوز وذلك في أيام يسيرة. وهذا الفتح والفتح الذي تم على يده في السنة الفائتة ٥٤٥ من تسلم قلعة أفامية جعل نور الدين صاحب الشام. وكان جوسلين فارس الفرنج غير مدافع قد جمع الشجاعة والرأي، سار في عسكره نحو نور الدين فالتقوا واقتتلوا وانهزم المسلمون وقتل منهم وأسر جمع كثير، وكان في جملتهم سلاحدار نور الدين فسيره إلى الملك مسعود بن قلج أرسلان صاحب قونية وأقصرا وقال له: هذا سلاحدار زوج ابنتك وسيأتيك بعده ما هو أعظم منه.

فلما علم نور الدين الحال عظم ذلك عليه وأعمل الحيلة على جوسلين وهجر الراحة ليأخذ ثأره. وأحضر جماعة من الأمراء التركمان وبذل لهم الرغائب إن هم ظفروا بجوسلين وسلموه إليه لأنه علم بعجزه عنه في القتال فيما قيل، فجعل التركمان عليه العيون فخرج متصيداً فظفر به طائفة منهم وحملوه إلى نور الدين أسيراً. وقال ابن الأثير: وعظمت على الفرنج المصيبة بأسر جوسلين،

<<  <  ج: ص:  >  >>