فأقام عماد الدين عليها مدة طويلة يبالغ في محاربة أهلها فلم يتهيأ له ما أراد فرحل عنها إلى الموصل.
وطلب صاحب دمشق إلى صاحب الموصل أن يطلق ولده ومن اعتقلهم من الأمراء والمقدمين فطلب عنهم خمسين ألف دينار، فأجاب تاج الملوك إلى تحصيلها، ولم يطلق عماد الدين ابن تاج الملوك سونج ومن معه من الأمراء إلا في سنة ٥٢٥. ومات الخصي صاحب صرخد فاستولت سُرِّيّته على قلعتها، وأرسلت إلى دُبيس بن صدقة صاحب الحلة تستدعيه من العراق للتزوج به، وتسليم صرخد بما فيها من مال وغيره إليه، فسار دبيس إلى الشام فضلَّ به الأدلاء بنواحي دمشق فنزل بناس من كلب كانوا شرقي الغوطة فحملوه إلى صاحب دمشق تاج الملوك، ولما سمع عماد الدين زنكي بأسر دبيس أرسل إلى تاج الملوك يطلبه، ويبذل له إطلاق ولده سونج ومن معه من الأمراء فأجابه تاج الملوك إلى ذلك وأطلق عماد الدين سونج ورفاقه.
وفي سنة ٥٢٤ جمع عماد الدين عساكره وسار من الموصل إلى الشام، وقصد حصن الأثارب، وكان أهله على اتصال بالفرنج يقاسمون الحلبيين على جميع أعمال حلب الغربية، فالتقوا وعسكر عماد الدين واشتد القتال وانتصر المسلمون
وانهزم الفرنج ووقع كثير من فرسانهم في الأسر وكثر القتل فيهم، وأخذ المسلمون الأثارب عنوة وقتلوا وأسروا كل من فيها ثم خربها عماد الدين.
[استنجاد بعض الصليبيين بالمسلمين واستقرار حال]
[دمشق:]
بينا كانت دمشق مغتبطة بتاج الملوك بوري لشجاعته، وقد سد مسد أبيه في كفايته وكفاحه، ناداه الأجل سنة ٥٢٦ عقيب جرح كان به من الباطنيّة، ووصى بالملك بعده لولده شمس الملوك إسماعيل، ووصى ببعلبك وأعمالها لولده شمس الدولة محمد. ولما استقر إسماعيل بن بوري في ملك دمشق، واستقر أخوه في بعلبك استولى محمد على حصن الرأس وحصن اللبوة، فكاتب إسماعيل أخاه في إعادتهما فلم يقبل، فسار صاحب دمشق وفتح حصن اللبوة ثم فتح حصن الرأس وقرر أمرهما، ثم حصر أخاه في بعلبك فسأله الصلح فأجابه إليه، وأعاد عليه بعلبك وأعمالها واستقرت أمورهما.