ودخلت سنة ٥٢٧ فسار إسماعيل صاحب دمشق على غفلة من الفرنج إلى حصن بانياس وفتحه، وذلك لما بلغه من عزمهم على نقض الموادعة المستقرة، وهال الفرنج ما وقع لقلعة بانياس وأكثروا التعجب من تسهل الأمر في فتحها مع حصانتها وكثرة الرجال فيها في أقرب مدة. وفتح إسماعيل حماة وقلعتها وقتل من كان بها، وحصر قلعة شيزر فصانعه صاحبها بمال حمله إليه. وفي هذه السنة اجتمعت التراكمين وقصدوا طرابلس، فخرج من بها من الفرنج إليهم واقتتلوا فانهزم الفرنج، وسار القومص صاحب طرابلس ومن في صحبته فحصرهم التركمان في قلعة بعرين وهرب القومص منها. ثم جمع الفرنج جموعهم وقصدوا التركمان ليرحلوهم عن بعرين فاقتتلوا وانحاز الفرنج إلى نحو رفنية وعاد
التركمان عنهم.
وقع الخلاف بين الفرنج من غير عادة جارية لهم بذلك، ونشبت الحرب بينهم وقتل منهم جماعة، والسبب في ذلك اختلاف طفيف نشأ بين أمرائهم حدا بصاحب يافا على أن يستنجد بالمسلمين في عسقلان فساعدوه حتى خربت تلك الأرجاء إلى حدود مدينة أرسوف، وعقد صاحب يافا معاهدة مع المسلمين فجاء صاحب القدس وحاصره، ولكن المسلمين اهتبلوا الغرة فجاسوا خلال ديار الفرنج وأخذوا يناوشونهم القتال، فخاف صاحب بيت المقدس العاقبة وأراد مشاغلة المسلمين فأغار على أطراف حلب، فنهض إليه الأمير سوار النائب في عسكر حلب ومن انضاف إليه من التركمان وتحاربوا أياماً وتطاردوا إلى أن وصلوا إلى أرض قنسرين، فحمل الفرنج عليهم فكسروهم كسرة عظيمة، فعاود سوار النهوض إليهم في من بقي من عسكره والأتراك، فلقوا فريقاً من الفرنج فأوقعوا به وكسروه، فانكفأت الفرنج إلى أرضها مهزومة، وانتهى إلى سوار خبر خيل الرُّها فنهض هو وحسان البعلبكي فأوقعوا بهم وقتلوهم عن آخرهم، وأغار سوار على الفرنج في تل باشر فقتل منهم ألف فارس وراجل وقاتلهم أيضاً في موضع يعرف بنوار في عسكر حلب وما انضاف إليه من التركمان، وكانت الحرب بين الفريقين سجالاً. واشترى الإسماعيلية قلعة القدموس من صاحبها لبن عمرون وصعدوا إليها وقاموا بحرب من يجاورهم من المسلمين والفرنج، وكانوا كلهم يكرهون مجاورتهم.
وفي سنة ٥٢٨ سار صاحب دمشق إلى شقيف تيرون وانتزعه من ابن ضحاك ابن جندل التيمي المتغلب عليه. وانتهى إليه أن الفرنج اعتزموا على نقض المستقر