جاء في كاتب عبد الحميد الثاني ودور سلطنته أنه كان يعتقد بالسحر والطلسمات والأرواح والفأل، ولم يتعلم شيئاً حتى إنه كان يغلط بالإملاء التركي، وله من
المزايا الاحتياط المتناهي والبصيرة وحب السعي وبعد النظر، وأن يعلم ماذا يقال فيه، ينفر من الحرب، ويلتزم السذاجة في لباسه وحاجاته، يحرص على الأمر والقيادة، ويتحرى من الأصول والمعاملات أكثرها استقامة، يميل إلى الأخذ بعلم الباطن الذي يأخذ بمجامع قلوب العامة، وإذا كانت أفكاره كثيرة الجولان أصبحت لا تثبت في مركز واحد، وإذ كان مبتلىً بالسويداء تراه على الدزام حزيناً مغموماً مغيظاً محنقاً، مفرطاً في الاحتياط والتدبير لا يعتمد على أحد، ممسكاً لا يعرف الكرم، عرضة للاضطرابات الذهنية والبدنية لعدم تطابق جملته العصبية. تبدلت حاله لما جلس على سرير الملك فنفعته المحن التي رآها لأول أمره أكثر مما أضرت به، ولئن كان أُذناً يحب أن يسمع ما يقال فيه، وينظر في الدقيق والجليل من الأمور، وهو محاط بجماعة من الأشرار ومزاجه عصبي، فإن كل هذا زاد في ذكائه. وكان إلى السابعة والعشرين يتعاطى المسكرات ويغوص في السفاهات، فنصح له طبيبه أن يقلع عنها أو يهلك كما هلك بالسل من قبل أبوه وأمه، فرجع عن عاداته الضارة ونظم حياته، وكان أول عمل قام به يوم استولى على زمام السلطنة أن سلب جميع ثروة أخيه مراد، عقارها ومنقولها، وكان ماهراً في عمليات الجمع والطرح والضرب، إلا أنه يمتنع أبداً من إجراء عملية الطرح إذا كان فيها ضرر عليه، ولم يكتف بمصادرة ثروة أخيه بل تصرف بثروة رعيته على ما يشاء، وأضاف معظم واردات الدولة إلى خزينته الخاصة، وما كانت الحكومة تتمكن من دفع الرواتب لغير النظار وكبار المقربين بصورة منظمة، أما سائر الموظفين والجند فإن عبد الحميد ترك لهم واردات يتناولونها راتب شهر أو شهرين في السنة فقط، وبذلك فتح باباً عظيماً من أبواب الرشوة ١هـ.
ومما ينبغي أن يدون في أيامه أن بعض الأمة انصرف إلى الزراعة والتجارة أكثر من الأدوار الماضية قبله في الشام، لأن الأمن استتب أكثر من القرن الماضي،
وطرق المواصلات البحرية والبرية زادت انتظاماً، والناس في الجملة