بين الفريقين العظيمين من العرب أضرت ضرراً بالغاً. وكان القيسيون حزب العباسيين على الأغلب واليمانيون حزب الأمويين والمنافسة بينهما على الملك والسلطان.
تعرض رجل للمأمون بالشام مراراً فقال له: يا أمير المؤمنين انظر لعرب الشام كما نظرت لعجم أهل خراسان فقال: أكثرت عليّ يا أخا أهل الشام، والله ما أنزلت قيساً من ظهور الخيل إلا وأرى أنه لم يبق من مالي درهم واحد، وأما اليمن فوالله ما أحببتها ولا أحبتني قط. وأما قضاعة فسادتها تنتظر السفياني وخروجه فتكون من أشياعه، وأما ربيعة فساخطة على الله منذ بعث نبيه من مضر، ولم يخرج اثنان إلا خرج أحدهما ثائراً، أعزب فعل الله بك.
[سبب تباغض النزارية واليمانية وحكمة حكيم:]
تأصلت البغضاء بين النزارية واليمانية منذ كان للعرب في الشام سلطان. وكثيراً ما تظهر بوادر هذه العداوة لسبب تافه. فقد ذكروا أن الكميت الشاعر المعروف، مدح النزارية فأفحش في مدحه، ففخروا بذلك على اليمانية، وأغدق بنو هاشم المال على الكميت مكافأة له، وقام دعبل الخزاعي يمدح اليمانيين ويعيب غيرهم، فكان هذا أول الشنآن بين النزارية واليمانية، ومنها تخرب الناس بالمناقب وثارت بينهم في البدو والحضر، إلى أن قام محمد الجعدي متعصباً لقومه، فانحرف الناس للدعوة العباسية وتقلقل الأمر إلى انتقال الدولة من بني أمية إلى بني هاشم، ولم يبق معهم إلا من فرّ بنفسه مستخفياً.
وكان رجال الإدارة والسياسة إذا أحبوا نشر العدل بين هذين الحيين العظيمين من
أحياء العرب يتعذر عليهم ذلك إلا بغمط حقوق الفريق الثاني، ولذلك عدّ من حسن سياسة إبراهيم بن محمد المهدي المنبوز بأبن شكلة الهاشمي أخي الخليفة الرشيد لما ولي دمشق، ما اتخذه أو ابتدعه من طريقة