أهل الكوفة مع أخيه السفاح وبالسمع له والطاعة، وأوصى بالخلافة إلى أخيه السفاح وأوصاه بالقيام بالدولة والجد والحركة، وأن لا يكون له بعده بالحميمة لبث ولا عرجة حتى يتوجه إلى الكوفة، فإن هذا الأمر صائر إليه لا محالة، وأنه بذلك أتتهم الرواية وأظهره على أمر الدعاة بخراسان والنقباء، رسم له في ذلك رسماً أوصاه أن يعمل عليه ولا يتعداه. فسار السفاح بأهل بيته منهم أخوه أبو جعفر المنصور وغيره إلى الكوفة فأقام فيها شهراً مستخفياً ثم ظهر وسلموا عليه بالخلافة وعزوه في أخيه إبراهيم الإمام ودخل دار الإمارة. وفي خلال ذلك زاد نفور المتطلعين إلى العباسيين من أهل خراسان والعراق، وذكر الناس شدة بني مروان في الضرب على أيدي كل من خالفهم، وكان الناس منذ أمد طويل يتمنون لو يديلهم الله بغيرهم وإن كانوا دونهم، فكيف ببني العباس ومنزلتهم من الشرف منزلتهم. والبشر ميال إلى التجدد ولكل جديد طلاوة.
ومن الغريب على ما قال الطقطقي أنه لما قدر انتقال الملك إلى بني العباس، هيئت لهم جميع الأسباب، فكان إبراهيم الإمام بالحجاز أو بالشام جالساً على مصلاه مشغولاً بنفسه وعبادته ومصالح عياله، وليس عنده من الدنيا طائل، وأهل خراسان يقاتلون عنه، ويبذلون نفوسهم وأموالهم دونه، وأكثرهم لا يعرفه، ولا يفرق بين اسمه وشخصه، لا ينفق عليهم مالاً، ولا يعطي أحدهم دابة ولا سلاحاً، بل يجبون إليه الأموال، ويحملون إليه الخراج كل سنة، ولما خذل مروان وأشرف ملك بني أمية على الانقراض، كان مروان خليفةً مبايعاً ومعه الجنود والأموال والسلاح، والدنيا بأجمعها عنده، والناس يتفرقون عنه، وأمره يضعف، وحبله يضطرب، فما زال يضمحل حتى هزم وقتل.
والثوب إن أنهج فيه البلى ... أعيى على ذي الحيلة الصانع
[فتح العباسيين عاصمة الأمويين:]
اضطرب نظام المملكة الأموية على عهد مروان بن محمد، وكانت