لم تزل أيام الناصر كلها كثيرة الفتن والشرور والغلاء والوباء. طرق الشام تيمور فخربها كلها وحرقها وعمل بالقتل والنهب والأسر حتى فقد منها جميع أنواع الحيوانات وتمزق أهلها في أقطار الأرض، ثم دهمها بعد رحيله عنها جراد لم يترك بها خضراء، فاشتد الغلاء على من تراجع إليها من أهلها وشنع موتهم واستمرت بها مع ذلك الفتن.
[الخليفة السلطان وسلطنة شيخ:]
عهد الأمراء الذين قضوا على سلطان الناصر بالسلطنة إلى الخليفة العباسي وكان المسكين أشبه بعامل محترم من عمال الشراكسة لا عصبية له ولا جيش، والغالب أن العهد بالسلطنة إليه كان دسيسة سياسية من الأميرين نوروز وشيخ يوم قال الأول للثاني وهما يتفاوضان فيمن يوسدان إليه السلطنة: لا أنا ولا أنت نتسلطن فاستولى شيخ على ملك مصر بالفعل وإليه قيادة الجند، واستولى نوروز على الشام يحكم فيها حكم الملك، وبقي الأمر على ذلك إلى سنة ٨١٦ وقد بلغ نوروز الحافظي أمير الشام أن المؤيد شيخ خلع الخليفة العباسي في مصر وتسلطن عوضه، فعزّ عليه ذلك ولم يقبل الأرض للملك المؤيد شيخ وأظهر العصيان
واستمر نوروز يخطب باسم الخليفة العباسي على منابر دمشق وأعمالها ولم يخطب باسم المؤيد شيخ ولا ضرب باسمه سكة، واستمر مستأثراً بملك الشام من غزة إلى الفرات.
وفي سنة ست عشرة وثمانمائة ظهر الخارجي الذي أدعى أنه السفياني قال ابن العماد: وهو رجل عجلوني يسمى عثمان بن ثقالة اشتغل بالفقه قليلاً في دمشق، ثم رجع إلى الجيدور ودعا إلى نفسه فأجابه بعض الناس فأقطع الإقطاعات ونادى أن مغلّ هذه السنة مسامحة ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر، فاجتمع عليه خلق كثير من عرب وعشير وترك، وعمل له ألوية خضراء وسار إلى وادي الياس وبث كتبه في النواحي يحث الناس على الانضمام إليه فارسهم وراجلهم مهاجرين إلى الله ورسوله ليقاتلوا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، فثار عليه غانم الغزاوي وجهز إليه طائفة وطرقوه بجامع عجلون فقاتلهم فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه