ما برحت خزائن الكتب تزيد على الزمن بازدياد الحضارة في الإسلام وتنتقل الكتب من مصر إلى الشام، ومن الشام إلى العراق، ومن الحجاز إلى الشام مثلاً، ويعني بها العلماء والأدباء، ويتنافس في اقتنائها الملوك والأمراء، ويضعف الغرام بها يوم تضعف الحركة العلمية ويرغب عن الفضائل، ما برحت الحال على ذلك حتى دخل الروم حلب وأحرقوها سنة ٣٥١ ثم أحرقوا حمص وغيرها من المدن. ثم وقع الحريق الأعظم الذي في الجامع الأموي سنة ٤٦١ ودثر ما كان فيه من الكتب والمصاحف. وربما حرق فيه المصحف العثماني القديم. ومن أهم النكبات التي أصيبت بها الكتب نكبة طرابلس لما فتحها الصليبيون وإحراق صنجيل أحد أمرائهم كتب دار العلم فيها، وأخذ الصليبيون بعض ما طالت أيديهم إليه من دفاترها وكتب خاصة في بيوتهم. واختلفت الروايات في عدد المجلدات التي كانت في خزانة بني عمار أو دار حكمتهم في طرابلس، وعلى أصح الروايات أنها ما كانت تقل عن مائة ألف مجلد، وأوصلها بعضهم إلى ألف ألف وبعضهم إلى أكثر. وقفها الحسن بن عمار وجاء بعده علي بن محمد بن عمار الذي جدد دار العلم سنة ٤٧٢ ثم عمار بن محمد حتى صارت طرابلس كما قال ابن الفرات في زمن آل عمار جميعها دار علم، وكان في تلك الدار مائة وثمانون ناسخاً ينسخون لها الكتب بالجراية والجامكية، فضلاً عما يشتري لها من كتب المنتخبة من الأقطار. وابن الفرات هو ممن يقول بأن عدد ما كان في دار العلم هذه من الكتب نحو ثلاثة ملايين كتاب عندما أحرقها الصليبيون سنة ٥٠٣. والغالب أنه كان في طرابلس من الكتب الموقوفة غير دار العلم وقفت قبل بني عمار، وأراد ابن الفرات بهذه الثلاثة آلاف الألف عدد الكتب التي كانت في مكاتب طرابلس كلها.
ولا ينبغي أن يذهب عن الخاطر أن ما كانوا يسمونه جزءاً أو مجلدا أو مجلدة لا يتجاوز بضع كراريس من كراساتنا، والكراسة قد لا تكون أكثر من ثمان صحائف