خرجت حلب وحماة ودمشق خصوصاً من بين مدن الشام بعد فتنة تيمور كالهيكل من العظم لا لحم ولا دم، وأصيبت بنقص في الأنفس وخراب في العمران، يبكي لها كل من عرف ما كانت عليه من السعادة قبل تلك الحقبة المشؤومة، ولم يقيض للقطر سلطان عاقل قوي يداوي جراحاتها وينهض بها نهضة تنسيها آلامها. ولما رحل تيمور عن دمشق نصب صاحب مصر المقر السيفي تغري بردي في نيابة دمشق ورسم له أن يخرج إلى الشام من يومه ليعمر ما أفسده تيمور في دمشق، ونصب نواباً آخرين على نيابات الشام ممن كانوا في أسر تيمور فأطلقهم، مثل نواب الكرك وطرابلس وحماة وبعلبك وصفد وغيرهم، وأمرهم أن يعمروا البلاد المخربة، وهيهات أن يعمر في قرن ما خربه تيمور في ثلاثة أشهر.
وبعد حين رجم أهل دمشق ٨٠٤ نائب الشام تغري بردي وأرادوا قتله فهرب إلى نائب حلب، فلما بلغ سلطان مصر ذلك أرسل تقليداً إلى أقبغا الجمالي بنيابة الشام. وخامر أمير غزة وخرج عن الطاعة واسمه صرق، فقتل في المعركة، وخرج أيضاً عن طاعة نائب طرابلس شيخ المحمودي. وخرج دمرداش نائب حلب إلى الأمير دقماق المحمدي الذي خلفه في نيابتها وأوقع معه واقعة قوية فانكسر دمرداش.
وفي سنة ٨٠٦ نازل الفرنج طرابلس فأقاموا عليها ثلاثة أيام فبلغ ذلك نائب الشام فنهض إليهم مسرعاً فانهزموا فأوقع بهم وكان ذلك مبدأ سعادته.