بلا مسمى، ما يريده لا يكون إذا لم يرده المابين، وما يريده المابين ينفذ في الحال بدون مناقشة ولا حوار.
[إعادة الدستور وحال الدولة بعده:]
أعيد الدستور إلى العمل بدون إهراق دماء، لأن جواسيس السلطان عبد الحميد هوّلوا له في قوة النزاع إلى الثورة من فيالق جيشه، وكانوا قتلوا بعض رجاله في سلانيك ممن أرسلهم للبحث عن قضية الثورة، كما بالغوا في تقدير قوة الأحرار وسريان أفكارهم في الولايات، فلم يسعه وهو محكوم لأوهامه وظنونه إلا أن يرد ما اغتصبه من حقوق الأمة العثمانية، ونجحت سياسة الأحرار وفشلت سياسة أعوانه الذين كانوا يتملقونه ويقولون له: إن أوربا إذا اتفقت على الدولة لا تستطيع أن تفلت من يديها، وما زال دولها متخالفات فلا يخشى على السلطنة العثمانية، أما الرعية فهي من ضعف الجانب بحيث تستطيع الدولة أبداً أن تقضي على كل ثورة تحدث في أرجاء ولاياتها، ثم إن الرعايا همج يسبحون بحمد آل عثمان في كل أوان، ولا تدرك عقولهم معنى الحرية، والحرية لا يتطلبها إلا بعض الشبان ومن لفّ لفهم من المحرومين والناقمين الذين فسدت نياتهم بما لقنوه من تعاليم أوربا المضرة.
وأخذ الناس في الشام يقدسون جمعية الاتحاد والترقي التي كانت سبب هذا الانقلاب الذي أنعش الأمة بعض الشيء وكثرت الآمال والأماني في إصلاح الحال، وطردت الشام ولاتها وعمالها الذين عرفوا بالجاسوسية لعبد الحميد والنيل من رعيته، وكفّ أهل النفوذ في القاصية عن الضغط على الفلاحين، إذ عرف هؤلاء من يلهم على رفع شكاويهم للمراجع، وأهين بعض من اشتهر عنهم أنهم من أنصار عبد الحميد الغارقين في رواتبه ومراتبه حتى اضطروا أن يندمجوا في الأحرار ويقدسوا شبانهم، ولطالما امتهنوهم وسعوا بهم إلى الحكام في عهد
الحكومة المطلقة، وبدئ بانتخاب أعضاء مجلس النواب، فحاولت جمعية الاتحاد والترقي أن يكون نواب الشام ممن تركن إليهم، أو ممن عرفوا بميلهم إلى الحرية وبعدهم عن السياسة الحميدية، ولكنها سعت لتقليل عددهم