منذ أقفل السلطان عبد الحميد سنة ١٢٩٤ المجلس النيابي وعطل الأحكام الدستورية ما برح بعض أحرار العثمانيين تركهم وأرمنهم وعربهم وأرناؤدهم، يتأففون من حالة الدولة ويدعون سراً، إذا لم يكن الجهر، إلى المطالبة بإعادة هذا المجلس وقد أسسوا للوصول إلى هذه الغاية جمعيات سرية في بعض ممالك أوربا ومصر، جعلت لها فروعاً في بعض الولايات العثمانية وعملت في الخفاء زمناً، والسلطان يصم آذانه تارة، ويتصامُّ عن هذه المطالب المشروعة تارة أخرى، ويعاقب من يقتدر عليه من هؤلاء الدعاة إن كانوا في قبضته وتحت علمه بالنفي والتغريب، أو بالمداراة وإغداق الأموال والرتب على بعضهم إذا كانوا بعيدين عنه. وأهم جمعية ألفت لهذا الغرض جمعية الاتحاد والترقي، تشعبت فروعها في أنحاء السلطنة وقويت في بث دعوتها في الشام حوالي سنة ١٣١٤ وما برحت على ضم شملها وتكثير سواد القائلين بقولها وإبلاغ دعوتها في جرائد لها أنشأتها خارج السلطنة، وكلمة الجمعية تزيد انتشاراً كلما اشتد عبد الحميد في إرهاق الداخلين فيها، ولا سيما في المارس العليا في الأستانة، والمدارس العليا مجمع شمل أذكياء الطلاب من الترك والعرب والشركس والأرناؤد واللاز والأرمن والروم، فإذا عادوا إلى الولايات يضيفون إلى تذمر الأهلين من فساد الأحكام تذمراً، ويكثرون سواد الحانقين على ذاك النظام الرث القديم.