الهمجية، أنزل الفائزون في أعدائهم البلية التي كانوا مهددين بها فيما لو تغلب هؤلاء، وإذا كان الدروز ارتكبوا في هذه الحروب فظائع أكثر بربرية من المعتاد فالسبب فيه تدخل الأتراك وشدة حقنهم على النصارى وقد أثاروه بتهديدهم وعجرفتهم.
وقال قنصل إنكلترا في دمشق على ذاك العهد: لقد بقي من كل ما رتبه المصريون شيء واحد سالما وهو عتق النصارى من رقهم على أن هذا ربما يصير عاملاً جديداً لاستئناف الاضطرابات لضعف الإدارة العثمانية وظلمها، والظلم يدفع إلى المقاومة والضعف يزيد في التمرد، والسكان يؤلفون من طوائف مختلفة المذاهب معادية للسنة ومن طوائف نصرانية متعصبة يعادي بعضها بعضاً، والحكومة عاجزة عن بسط سيطرتها على الجميع ولهذا أمست مضطرة إلى إثارة طائفة عن أُخرى بإيقاد جذوة التحاسد والبغضاء بينها، وبمثل هذه المسائل تتمكن من حفظ بعض السيطرة لنفسها، بيد أنها تخسر ثقة الرعايا بها وتعكر كأس الوئام بين العناصر المختلفة، فتحول دون كل تقدم ونجاح.
[مذابح دمشق ورأي الغريب والوطني في تعليلها:]
وبعد هذه النصوص المعتبرة لم يبق شك في أن الدولة هي التي وضعت الخطة العوجاء لذبح النصارى ليتيسر لها أن تمتلكهم وتضعف من غلواء المسلمين أيضاً شأنها في معظم أحوالها في كل بلد نزلته. والموارنة كالدروز لا يخلون من المؤاخذة الشديدة، اغتر كل فريق بمن كان يزين له الشر ويحسن له العاقبة بعد
ارتكابه فأتمر بما أُمر به، فكان ذلك وبالاً عليه وعلى جاره، ولم يخسر الدافع لهما شيئاً. وما كان يخطر بالبال أن هذه الشرارة تسري إلى دمشق مدينة التسامح واللطف ويقوم رعايا المسلمين بمعاونة الدروز يؤذون من أُمروا بالإحسان إليهم بعد أن عاشوا وإياهم ثلاثة عشر ثرنا في صفاء وهناء.
ويؤخذ مما قاله مشاقة أن مذبحة دمشق لا علاقة لها بحوادث لبنان على ما قيل ولا تعزى لها الأسباب التي عزيت لتلك، ولأن من أسبابها الأولية عبث النصارى بالشريعة التي أحدثتها الدولة على أثر حرب القريم مكرهة من دولة