وتحف، يقال إنها بلغت ثمانية آلاف كيس بيد أن إسماعيل باشا صرف أموالاً كثيرة على العساكر والأغوات، وعلى كل فهي قليلة بالنسبة لطول عهده، والغالب أنه كان معتدلاً في أخذ المال غير اعتداله في سفك دماء الرجال، أو أنه ادخر كميات من الذهب غير ما عثر عليه منها فضاعت عند وكلائه وخواصه.
قاعدة المبالغة في الثروة والفقر، والظلم والعدل، والعلم والجهل، والقبح والجمال تناولت أعمال الجزار أيضاً، ولو كان في قلبه بعض الرحمة وعزوف عن سفك الدم الحرام إلا بما تقضي به الشريعة لعد مصلح عصره قياساً مع الصفات التي أوردها مشاقة. لا جرم أن التبعة في بعض أعماله تعود على عماله ورجاله، وأكثرهم من أبناء الديار.
[المتغلبة على الأحكام بعد الجزار:]
خرج الشام بعد هلاك الجزار مقلَّم الأظفار، معروق العظام، بل مقطع الأوصال، سيئ الحال، وأحدث موته فراغاً ففقدت به الدولة أعظم قوة تمثلها ونُفّس بهلاكه خناق أرباب المقاطعات المتغلبين من الأعيان، وكان في سجن الجزار في عكا رجل يقال له إسماعيل باشا أرناؤطي الأصل، وأصله من جملة عساكر الوزير
الأعظم حين حضر إلى مصر لاستخلاصها من الفرنسيين. ولما قام الفرنج على المسلمين وأخرجوهم من مصر وتشتت العساكر في تلك الأقطار قصد إسماعيل باشا أحمد باشا الجزار، فدعاه إلى فتح يافا فظهرت منه خيانة مع محمد باشا أبو المرق فقبض عليه الجزار وسجنه وعذبه، كما كان يفعل بمن يقبض عليه وبقي في سجن الجزار إلى أن هلك هذا، فخرج إسماعيل باشا من حبسه وجعل مكان الجزار فاستولى على متروكاته حتى اضطرت الدولة إلى قتاله لعصيانه في قلعة عكا وأرسلت عليه حملة ودام الحصار أربعة أشهر حتى أُخذ وقتل فاستراحت الأمة من أحمد الجزار ومن خلفه.
وعصا أهل وادي التيم فأرسل عليهم إسماعيل باشا جنداً كبس القرى وقتلوا زهاء مائتي قتيل وأخذوا مائتي أسير، وكبس الأمير بشير جنبلاط