المعارف مدارس ابتدائية في بعض القرى الكبيرة فدخلت المدنية قليلاً وزادت النفوس زيادة محسوسة، وربما زادت عما كانت عليه منذ سبعين سنة سبعة أضعاف. وهذه الزيادة أفادت الزراعة أيضاً. ولم تصب بعض الأصقاع الزراعية بالضعف إلا مدة الحرب الأخيرة، وقد كلب عمال الترك فاستلبوا من الفلاح ابنه وبقره وغنمه وخيله وحميره وبذاره وحطبه وقطنه وصوفه وقشره، ولو طالت الحرب سنة أخرى لحصد الوباء البقري الأبقار من أكثر أنحاء الشام، لأن ما بقي سالماً منها كانت الحكومة تأخذه للنقل أو للذبح، فتعطل بعضهم عن الحرث، ولكن من نجحوا من هذه الغوائل ولو قليلاً استفادوا من ارتفاع الأسعار أرباحاً طائلة، فوفوا ديونهم وخرجوا وقد أغنتهم الحرب ولم تفقرهم.
وما زلت أعتقد أن أصحاب الحوانيت مقصرون جداً في تعليم الفلاح، وتحسين حالته المعاشية والمنزلية والصحية، حتى كاد يصبح بطول الزمن شقيق البهائم لا يفرق عنها إلا أنه ناطق، وهذا النقص يحمل عليهم وعلى الحكومة. فقد تجتاز إلى اليوم القرية والقريتين في الأرجاء البعيدة ولا تجد رجلين أو ثلاثة من أهلها يقرءون ويكتبون على ما يجب، فكيف لهم أن يعرفوا مل لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات. ولا يستقيم للزراعة حال فيما رأى إلا إذا عَلّمت كل أُسرة يأتيها رزقها من الزراعة أحد أبنائها هذا الفن الجليل، ولا تمضي بضع سنين حتى تدخل الشام في طور الأقطار الزراعية الراقية، وعندها تتضاعف الثروة مرتين أو ثلاثاً، وينقطع دابر الهجرة ويعمر الغامر كما يزيد عمران العامر. ويعتقد الناس أن العز والغنى معقود بالأرض، وأن الشرف يستمده المرء من عمله الحر
الحلال.
[عناية القدمين بالزراعة:]
إن ما انتهى إلينا من الكلام القليل على الزراعة الشامية لا يشفي غلة الباحثين اليوم، لأنه مجمل يحتاج إلى تفصيل كثير. وإذا عرضنا له هنا فللاستئناس به في تاريخ الزراعة في الجملة، فقد علمنا أن الإسرائيليين كانوا يريحون الأرض سبع سنين ثم يزرعونها فتأتي غلاتهم مخصبة نامية. وعلمنا أن النبطيين وهم