العسرة فغُرّموا على تحسنها أموالاً، وصرفوا قواهم إلى الانتفاع بها ما أمكن. وكان العربان يداهمون حتى القرى القريبة من الحواضر، ويطلبون منها اخوة أو الخاوة
وهي مبلغ من المال يتقاضونه من الفلاحين البائسين يؤدونه لصعاليك البدو صاغرين، وإذا استنكفوا عن أداء ما يطلب منهم، محتجين بضيق ذات اليد أو رداءة الموسم، نهبوا دورهم وحرقوا عروضهم وغلاتهم واعتدوا على أرواحهم. وقد كانت معظم الأرياف مأوى الأشقياء وعصابات قطاع الطرق، فما كان الفلاح يجسر أن ينتقل من قرية إلى أخرى، أو يحمل محاصيله إلى المدن، ولا أن يعمل في حقله البعيد قليلاً عن القرية أو المزرعة.
فلما طبق قانون الولايات سنة ١٢٨١هـ ثم أُنشئت المحاكم النظامية كان من أثرها القضاء على عصابات من أرباب الدعارة، وقلّت الشقاوة، فانصرف الفلاحون كلهم إلى العمل، لأن الأسعار بدت بالارتفاع، فبعد أن كان الحوراني ينقل غلاته على الجمال إلى بيروت أو عكا فلا يتحصل منها غير أجرة النقل، أصبح الفلاح يحمل غلاته إلى المواني البحرية ولا سيما غزة ويافا وحيفا وبيروت وطرابلس واللاذقية والإسكندرية فتأتيه بأرباح طائلة، لأن الحبوب كالثمار، أصبحت تسافر في البحار، ويدفع في ثمنها النضار.
وانتبه الفلاح لحاله بكثرة اختلاطه بابن المدن فعرف بؤسه، فلم يكن على ما كان منذ سبعين سنة مملوكاً لجهله الطبيعي، ولظالميه من المرابين وغيرهم من أدوات التخريب. وكان من تأسيس المصارف الزراعية، وإن كانت قليلة رؤوس الأموال، ويجب أن يكون فيها التسهيل كثيراً، أن أنزلت معدل الربا إلى سبعة في المئة، فخففت من غلواء المرابين والصيارفة. ولو زيد في ترقية المصارف الزراعية وأُنشئت مصارف عقارية تقرض أرباب العقارات أيضاً بفائدة معتدلة لزادت المنافع المطلوبة للزراعة.
وصادف أن قلت آفات الزراعة في العهد الأخير، فأصبحت الأوبئة في البشر والبقر لا تفعل فعلها الشديد كما كانت في الأدوار السالفة، وردمت بعض
المستنقعات الصغيرة التي كانت بجوار بعض القرى، وعني ديوان الصحة بفتح مستوصفات في القصبات ومستشفيات في المدن، فتحسنت الصحة بعض الشيء، وأصبح الفلاح يدرك فائدة التطبب، وإن أعوزه الطبيب أحياناً، وفتحت وزارة