فقتل المسلمون منهم مقتلة عظيمة. وقالوا: إن خالد بن الوليد لما جاء بصرى والمسلمون نزول عليها ضايق أهلها حتى صالحهم على أن يؤدوا عن كل حالم ديناراً وجريب حنطة. وافتتح المسلمون جميع أرض حوران وغلبوا عليها وقتئذ وذلك في سنة ١٣.
[وقعة اليرموك:]
أهم وقائع العرب في الشام التي انهزم فيها الروم شر هزيمة ولحق فَلُّهم بالشمال وقعة اليرموك - واليرموك نهر - فهي الوقعة الفاصلة التي هان بها الاستيلاء بعد ذلك على القدس ودمشق وما إليها، ثم على حمص وحماة وحلب وما إليها من البلدان، وظهر فيها النبوغ العربي في الحرب بأجلى مظاهره. وتبين أن تلك الأمة الفقيرة بمالها، ليست فقيرة بعقل رجالها. وقرأ العرب على الروم يومئذ درساً من مضائهم وحسن بلائهم، وأروهم راموزاً من تضامنهم واستماتتهم، وأتوهم بمثال من طيب أخلاقهم وجودة فطرهم، خلافاً لما كان عليه أعداؤهم من الانقسام وتشتت الأهواء والخصام.
لما قدم خالد بن الوليد مدداً للمسلمين في اليرموك وجد العرب يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش: أبو عبيدة على جيش: ويزيد بن أبي سفيان على جيش، وشرحبيل بن حسنة على جيش، وعمرو بن العاص على جيش. فقال خالد: إن هذا اليوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي، فأخلصوا لله جهادكم، وتوجهوا إلى الله بعملكم. فإن هذا يوم له ما بعده، فلا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبئة وأنتم على تساند وانتشار، فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي، وإن مَن وراءكم لو يعلم علْمَكُم حال بينكم وبين هذا. فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من واليكم. قالوا: فما الرأي؟ قال: إن الذي أنتم عليه أشد على المسلمين مما غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم. ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم والله، فهلموا فلنتعاور الإمارة، فليكن علينا بعضنا اليوم، وبعضنا غداً، والآخر بعد غد حتى يتأمر كلكم، ودعوني اليوم عليكم. قالوا: نعم. فأمروه وهم يرون أنها كخرجاتهم، فكان الفتح على يد خالد. وجاءه البريد يومئذ بموت