للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الضيف والقاصد وحماية الضعيف والملتجئ، حتى إذا وقع أحد أفراد قبيلتهم بمثل هذا الأمر الذي يكثر حدوثه لديهم يتقاضى ما أسلفه. وقد قويت هذه المزية فيهم حتى ضرب بكرمهم المثل، وفاقوا به سائر الأمم. وإن مطاوي التاريخ العربي مستفيضة بأقاصيص كرماء العرب وكرمهم العجيب. والبدوي يعتقد أنه لا ذكر له ولا إرث أفضل من سمعة الكرم والجود. وإن هذه المزية لا تزال عند بدو الشرق العربي على ما كانت عليه في زمن أجدادهم الجاهليين فلا يحل ضيف بيت أحدهم غنياً كان أو معدماً، إلا ويسرع لتهيئة كل ما يرضيه ويسره، وإن الكثيرين منهم يضطرون إلى تحمل أعباء الدين الثقيلة لإرضاء قاصدهم. وإذا استأمنهم مستأمن على أمانة فدوا لحفظها أموالهم وأولادهم وأنفسهم، وكذلك إذا التجأ إليهم خائف، أو استجار بهم مظلوم، أو نزل عليهم موتور مطرود.

[رأي في الأخلاق الشامية:]

تمثل الأمم في العادة طبقتان من أبنائها الوسطى والعليا. والطبقة الدنيا وهي طبقة العامة مستتبعة لا متبوعة، لأن ما هي فيه من تأخر أسباب الحياة، لا يترك لها مجالا للتفكير في شئ، غير ما يقع تحت حسها مباشرة، تشتد حاجتها الطبيعية إليه. وقد تقلد الطبقة السفلى الطبقة الوسطى تقليدا خفيفا لا يكاد يشعر به، وتقليد الطبقة الوسطى الطبقة العليا أشد ظهورا من تقليد الدنيا للوسطى. وتتجلى في الطبقة العليا مظاهر السعة في العيش، والبسطة في العلم أو الحضارة، وهي أبدا

حريصة على مكانتها، تحاذر سقوط شأنها من أنظار الطبقتين التاليين، وتعد السؤود كل السؤود، ما هي فيه من جاه ومال ومجد وعلم.

يعد من الطبقة العليا العلماء والعظماء والقواد وأرباب الأموال، ممن يسيرون الجماعات إلى حياتها أو موتها، وينفثون في روعها ما يرقع مستواها العقلي، ويطهرون نفوسها من الآثام والآلام، وبأيديهم ربدة ثروة الأمة وجهودها، وإليهم منتهى ما بلغته قرائح أبنائها يمثلون التسلسل في الفكر، وتتجسم فيهم الإرادة الثابتة والعزيمة الصحيحة، وهم صورة البيوت الخالدة

<<  <  ج: ص:  >  >>