مصطفى بربر متسلم طرابلس وحاصر قلعتها بشدة، وطال الأمر فالتجأ بربر إلى الجزار فسكت ولم يجبه لأنه كان يفاوض الأستانة لأخذ ولاية دمشق، وبينا الحال مشتدة على بربر وعبد الله باشا يحاصره بعسكره أرسل الجزار إلى وكيله بدمشق محمد بن عقيل ألفي جندي وأمره أن يقبض على عبد الرحمن المرادي وحسن دفتر دار المتسلم وابن سبح متسلم حمص ويقتلهم حالاً ونادوا باسم الجزار والياً. فبلغ ذلك عبد الله باشا وعلم أن الدولة متغيرة عليه، فخاف كثيراً وهام على وجهه في البادية يختبئ عند العرب. أما بربر طرابلس فرضي عنه الجزار وأقره متسلماً على بلده، ثم لامت الدولة الجزار على ما أتاه من قتل ابن المرادي كما يقتل العامة فتخلص
الجزار مما أتاه وألقي تبعة قتله على وكيله ابن عقيل وقطعه إرباً مع أن الجزار هو الذي أمره خطاً بقتله.
[مساوئ أحكام الجزار:]
توفي الجزار سنة ١٢١٩ ١٨٠٤ بعد أن ضرب الأهالي ضربةً لم تصب بمثلها منذ أزمان. أصله بشناقي من جماعة علي بك أمير مصر هرب إلى الشام لما قتل مولاه، وأقام يختلف إلى لبنان فاطلع على أحواله وأحوال الديار التي كانت تحت حكم الظاهر عمر من أرض الجليل. ثم توجه إلى الأستانة فعين وزيراً على صيدا وحصّن عكا ورفع عن بيروت حكم بيت شهاب وضبط أملاكهم. وكان أحمد البشناقي هذا جزاراً سفاكاً لأنه لما كان كاشف البحيرة في مصر عهد إليه الانتقام من عربها لقتلهم عبد الله بك من المماليك فأسرف في القتل فلقب بالجزار. ولا غرو فالدم البشري في نظر احمد باشا الجزار، كدم الخرفان في نظر القصاب والجزّار. هاج المماليك على الجزار مرة يريدون قتله فيما يقال ولولا حذره الشديد لقتل، وتحصنوا في برج داخل عكا فطلبوا الأمان، ولما علم أن خيانتهم كانت بالاتفاق مع بعض سراريه غضب عليهم جميعا وخنقهم بالماء الحار. حج الجزار مرة بالناس فلما عاد ترامى إلى سمعه اتهام مماليكه بحريمه فلم يلبث أن أرسل المماليك في حملة على لبنان وأوقد ناراً كبيرة في داره، فكان خصيانه يأتونه بنسوته واحدة بعد