هلك ططر بعد أن ملك ثلاثة أشهر وأياماً وخلفه في السلطنة ابنه الصالح محمد وله من العمر نحو من إحدى عشرة سنة وجعل جاني بك الصوفي أتابكه ومدير مملكته، فعز ذلك على بقية الأمراء فوثب برسباي وقيده وسجنه فاجتمعت الكلمة
على برسباي وصار صاحب الحل والعقد فتعصب له جماعة من الأمراء وخلعوا الصالح وسلطنوا برسباي ٨٢٥ فكانت مدة سلطنة الصالح ثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً. وخلع برسباي على المقر السيفي جاني بك البجاسي واستقر به نائب الشام واستقامت أحواله في السلطنة.
وفي سنة ٨٣٦ سار الأشرف برسباي في حملة من مصر قيل أنه غرّم عليها خمسمائة ألف دينار وقصد الشام وسار منها إلى آمد فحاصرها وكانت لابن قرابلك فلم ينل منها طائلاً، فمشى بعض الأمراء بالصلح على أن لا يتعدى على بلاد السلطان فحلف صاحب آمد على ذلك. ولما عاد الجيش المصري عاد صاحبها إلى العصيان قال ابن إياس: والملك الأشرف هو آخر من جرد من الملوك وخرج بنفسه إلى البلاد الشامية.
توفي الأشرف برسباي سنة ٨٤١ وقد ساس الملك ونالته السعادة ودانت له البلاد وأهلها وخدمته السعود حتى مات، وفتحت في أيامه أقاليم كثيرة استرجعت من أيدي الباغين من غير قتال، وفتحت قبرس وأسر ملكها. قال المقريزي: وكانت أيامه أيام هدوء وسكون إلا أنه كان له في الشح والبخل والطمع مع الجبن والحذر وسوء الظن ومقت الرعية وكثرة التلون وسرعة التقلب في الأمور وقلة الثبات أخبار لم نسمع بمثلها، وشمل مصر والشام في أيامه الخراب وقلت الأموال بها وافتقر الناس، وساءت سيرة الحكام والولاة مع بلوغ آماله وقهر أعاديه وقتلهم بيد غيره. وقد عقد برسباي معاهدة مع فرسان رودس وقهر صاحب مملكة ذي القدرية وكان الذي يثير عليه الفتن في الشام شاه رخ بن تيمورلنك لأن سفراءه أُهينوا في مصر كما أُهين تجاره في جدة، وأبى عليه صاحب مصر أن يكسو الكعبة المشرفة. وقال ابن إياس: إن الملك الأشرف كان منقاداً إلى الشريعة، وكانت معاملته أحسن المعاملات من أجود الذهب والفضة ولا سيما