للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وآل الحسن فلم نجد عندهم إيالة الملك ولا صيانة المال ولا مكيدة الحرب. ولم يجبه إلى ما طلبه إليه.

ولما مات الحسن بعد شهرين وقيل أربعة أشهر من استيلائه على العراق صفا الجو لمعاوية وبايع له الناس فملك العراق والحجاز ومصر، وأجمعت القلوب على مبايعته طوعاً أو كرهاً. وكان ممن مالأ معاوية على تحقيق رغائبه عمرو بن

العاص عامله على مصر، والمغيرة بن شعبة عامله على الكوفة.

[خلافة يزيد ورأي ابن خلدون:]

أوعز معاوية سراً إلى ولاة الأمصار أن يوفدوا الوفود إليه يزينون له إعطاء العهد لابنه يزيد، حتى استوثق له أكثر الناس وبايعوه والسيوف مسلولة فيما قيل على رقاب الصحابة في مسجد الرسول. وبذلك أخرج معاوية الخلافة عن أصولها، وكانت بالعهد لأفضل الصحابة أو بالشورى بينهم لمن يقع اختيارهم عليه، وجعلها كالملك يورثها الأب ابنه أو من يراه أهلاً لها من خاصته، أو كسروية أو قيصرية على سنة كسرى وقيصر كما قالوا. وبذلك نقم على معاوية بعض الصحابة والتابعين من الأنصار والمهاجرين.

والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه - كما قال ابن خلدون - إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية، إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواهم وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره مما يظن أنه أولى بها وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصاً على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك، وحضور الأكابر لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن تأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق، فإنهم كلهم أجلّ من ذلك وعدالتهم مانعة منه، وفرار عبد الله ابن عمر من ذلك إنما هو محمول على تورعه من الدخول في شيء من

<<  <  ج: ص:  >  >>