وفي سنة ٤٧٢ انقضت دولة بني مرداس بحلب، وكان قصدها تتش ابن آلب أرسلان فحاصرها أربعة أشهر ونصفا، ثم رحل عنها فنازلها مسلم ابن قريش صاحب الموصل، وتعهد لملكشاه السلجوقي أن يحمل إليه كل سنة ثلاثمائة ألف دينار فكتب له تقليدا، وعادت رياستها شورى في مشيختها وطاعتهم لمسلم بن قريش. ومعنى أن حلب أصبحت رياستها شورى في مشيختها أن الحلبيين لما نفضوا أيديهم من حام يحمي بلدهم ألفوا جمهورية من شيوخهم أدارت شؤونهم زمنا، وجعلوا ملكهم صاحب الموصل. وذكر المؤرخون أن الحلبيين أحسنوا في هذه الحكومة ولم يختلفوا ونفذت قواعد العدل واستقر الأمر في نصابه. وسبب ميل الحلبيين إلى مسلم بن قريش أن تتش بن آلب أرسلان حصر مدينتهم المرة بعد المرة واشتد عليها الحصار، فكان ابن قريش يواصلهم بالغلات وغيرها، ولما دخلها حصر القلعة واستنزل منها سابقا ووثابا ابني محمود بن مرداس، وأنفذ إلى السلطان يخبره بملك البلد، وأنفذ مع الرسول شهادة فيها خطوط المعدلين بحلب بضمانها، وسأل أن يقرر عليه الضمان، فأجابه السلطان إلى ما طلب. وفي سنة ٤٧٣ ملك جلال الملك ابن عمار قاضي طرابلس وصاحبها حصن جبلة. وكان ابن عمار غلب على تلك الأصقاع سنين وعجز والي الفاطميين بدر الجمالي عن مقاومته.
وفي سنة ٤٧٥ جمع تاج الدولة تتش جمعا كثيرا وسار عن بغداد وقصد بلاد
الروم إنطاكية وما جاورها، فلما سمع شرف الدولة صاحب حلب الخبر خافه فجمع أيضا العرب من عقيل والأكراد وغيرهم، فاجتمع معه خلق كثير، فراسل الخليفة بمصر يطلب منه إرسال نجدة إليه ليحصر دمشق فوعده بذلك. فلما سمع تاج الدولة الخبر عاد إلى دمشق وحصرها وقاتله أهلها. وفي بعض الأيام خرج إليه عسكر دمشق وقاتلوه، وحملوا على عسكره حملة صادقة فانكشفوا وتضعضعوا، وانهزمت العرب وثبت شرف الدولة وأشرف على الأسر وتراجع إليه أصحابه. فلما رأى ذلك