ورأى أن مصر لم يصل إليه منها عسكر وأتاه من بلاده الخبر أن أهل حران عصوا عليه، رحل عن دمشق إلى بلاده وأظهر أنه يريد بلاد فلسطين. رحل أولا إلى مرج الصفر فارتاع أهل دمشق وتاج الدولة واضطربوا، ثم سار من مرج الصفر مشرقا في البرية، وجد في مسيره فهلك من المواشي الكثير مع عسكره وانقطع خلق.
وكان مسلم بن قريش الذي أحبه أهل حلب وأطاعوه من جملة عمال آلب أرسلان، وكان سليمان بن قتلمش السلجوقي صاحب قونية وأقصرا وملاطية ومن عمال السلجوقيين وأنسبائهم أشار إليه ملك السلجوقيين الأكبر السلطان ملكشاه أن يستولي على إنطاكية ٤٧٧ ففعل، ولما استقر فيها بعث إليه مسلم بن قريش يطلب منه المال الذي كان يحمله صاحب إنطاكية الرومي إليه فأبى وقال: أنا لا أدفع الجزية لأني مسلم، فنهب مسلم بن قريش إنطاكية، ونهب سليمان بن قتلمش حلب، ثم جمع مسلم ابن قريش الجموع من العرب والتركمان ومعه أمير التركمان جبق في أصحابه وسار إلى إنطاكية ليحصرها، فسار إليه سليمان بن قتلمش فالتقيا على نهر سبعين في موضع يقال له قُرزاحل واقتتلا، فمال تركمان جبق إلى سليمان فانهزمت العرب وتبعهم مسلم بن قريش منهزما، فقتل بعد أن صبر وقتل بين يديه أربعمائة غلام من أحداث حلب، وسار سليمان إلى حلب فحصرها ٤٧٨ ولم يبلغ
منها غرضا.
وفي هذه الوقعة التي قتل فيها سليمان بن قتلمش التركي مسلم بن قريش العربي انتقل ملك الشام من أيدي العرب إلى الترك ولم يحكم في الشام بعده إلا أمراء وملوك من التركمان والأتراك والشراكسة والأكراد. وكان الأتراك يأتون الشام منذ أوائل القرن الثالث عمالا للعباسيين، فلم تكن مقاتلهم بادية للعيان لأنهم كانوا يحكمون باسم الدولة التي يعملون لها، وكان أكثرهم على جانب من حسن الأدب والإدارة نشأوا نشأة عربية، وها قد جاء دور يعمل الأتراك فيه أحراراً لحساب أنفسهم، بعد أن ختم الحكم العربي بمقتل مسلم بن قريش العقيلي.
وعاد سليمان بن قتلمش في السنة التالية وقصد حلب فبلغه أن تاج الدولة