الأمور مباحاً كان أو محظوراً. كما هو معروف عنه، ولم يبق في المخالفة لهذا العهد الذي اتفق عليه الجمهور إلا ابن الزبير. وندور المخالف معروف.
ثم قال: إنه وقع مثل ذلك من بعد معاوية من الخلفاء الذين كانوا يتحرون الحق
ويعملون به مثل عبد الملك وسليمان من بني أمية، والسفاح والمنصور والمهدي والرشيد من بني العباس، وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم وحسن رأيهم للمسلمين والنظر لهم، ولا يعاب عليهم إيثارهم أبناءهم وإخوانهم وخروجهم عن سنن الخلفاء الأربعة في ذلك فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء، فإنهم كانوا على حين لم تحدث طبيعة الملك. وكان الوازع دينياً فعند كل أحد وازع من نفسه، فعهدوا إلى من يرتضيه الدين فقط وآثروه على غيره. ووكلوا كل من يسمو ذلك إلى وازعه، وأما من بعدهم من لدن معاوية فكانت العصبية قد أشرفت على غايتها من الملك؛ والوازع الديني قد ضعف واحتيج إلى الوازع السلطاني والعصباني، فلو عهد إلى غير من ترتضيه العصبية لردت ذلك العهد وانتقض أمره سريعاً وصارت الجماعة إلى الفرقة والاختلاف.
ومن جملة وصايا معاوية لابنه يزيد في أهل الشام: أنظر أهل الشام فليكونوا بطانتك ورعيتك، فإن رابك من عدوك شيء فانتصر بهم، فإذا أصبتهم فاردد أهل الشام إلى بلادهم فإنهم إن أقاموا بغير بلادهم تغيرت أخلاقهم. ولما قدم مشيخة أهل الكوفة على معاوية كان فيما سألهم عنه رأيهم في أهل الأحداث من الأمصار فقال أحدهم: وأما أهل الشام فأطوع الناس لمرشدهم وأعصاهم لمغويهم.
[غزوات معاوية وأعماله ووصيته:]
ومما يجب أن يذكر لمعاوية أنه مع اشتغال ذهنه بالملك لم يغفل قط عن إنشاء أسطول عظيم غزا به الروم وغزا القسطنطينية غير مرة وأغزى الروم مراراً، وكان يغزو الصوائف والشواتي أي غزوات الصيف والشتاء، وخص قوماً من رجاله بتولي هذه الغزوات وبلغه أن الروم سنة ٤١ قد زحفت